12/16/2014

إلى سادتنا في هيئة علماء المسلمين

بقلم: أيمن المصري 

الآن وقد ركنتم إلى الراحة من الملفات العصيبة التي تصديتم لها، حيث جدتم بدمائكم وعرّضتم حياتكم للخطر، وتلقيتم السهام والاتهامات، فجزاكم الله على ما قدّمتم.. الآن وقد تجاوزتم هذه المحن، أسمح لنفسي أن أضع بين أيديكم هذه الكلمات، وأجدني مضطراً للتأكيد أن ما سيرد هو من باب نصيحة الغيور على مصلحة هيئتنا "هيئة علماء المسلمين"، فأرجو أن يتسع صدركم لما سأقول. وأبدأ بالنقطة الأولى. 

علماءنا الأجلاء. لقد ارتبط اسم "هيئة علماء المسلمين" لدى الرأي العام بملفات مأساوية وأزمات أمنيّة وعسكرية، مثل ملف العسكريين المخطوفين، ومخطوفي أعزاز، وأحداث عرسال، وأحداث عبرا، وتفجير مسجدَي السلام والتقوى في طرابلس... والخصم يشهد لكم قبل الصديق بما قدمتم في هذه الملفات.. لكن، لماذا لا نسمع عن هيئة العلماء إلا في الأزمات؟ هل هذا هو دور الهيئة فقط؟ لماذا لا تظهر هيئة العلماء في عناوين إيجابية، حملات دعوية، مناسبات وطنية أو أعياد؟ أودّ أن أنقل لكم يا سادتنا أن نظرة الشارع اللبناني (العام وليس الإسلامي): أنكم جهاز طوارئ للتدخل عند الأحداث والأزمات. فهل ترتضون هذا التوصيف، على أهميته؟ 




سادتنا العلماء. ثمة من يتهمكم بأنكم لا تعترفون بلبنان وطناً لكم.. فهل هذا صحيح؟
من يطلق هذا الاتهام يستدلّ بأنه لم يجد في أدبيّاتكم من بيانات وتصريحات أيّ حديث حول لبنان الوطن وحول اللبنانيين ومصالحهم وسلمهم؟
لا أريد أن أتطفل عليكم بالعلم الشرعي، فأنتم أهله، لكن أسمح لنفسي أن أنقل لكم انطباع الرأي العام عنكم في حال كان هذا الأمر صحيحاً. سينظر إليكم المجتمع اللبناني على أنكم خارج النسيج الوطني، وسيثبت اتهامكم بالارتباط بالمجموعات الخارجية، السياسية أو الثورية، وستكرّسون النظرة السلبية التي تتهم بها الساحة الإسلامية في لبنان بالخصومة مع الدولة ومؤسساتها العسكرية والرسمية. وهذا ليس في مصلحتنا على الإطلاق.
أرجو أن يكون هذا الاتهام خاطئاً. 

كباحث، لم أفلح في الحصول على أيّ مادة تعريفية للهيئة وأهدافها ووسائلها. فهل هي سرّية؟
لكم الحق في حجب نظامكم الداخلي لأسباب تقدّرونها. لكن ماذا عن الرؤية والرسالة والأهداف التي تشرح للرأي العام من أنتم ولماذا تأسست "هيئة علماء المسلمين"؟ على الأقل لتقطعوا الطريق على المحللين والمراقبين من الاجتهاد والتخمين الذي قد يخطئون فيه. 

سادتنا العلماء. لقد تزامن تأسيس هيئة علماء المسلمين مع انطلاقة الثورة السورية. وككل الحركات والهيئات في ساحتنا الإسلامية في لبنان، تفاعلنا مع الثورة في الدعم الإعلامي والإغاثي.. لكن، لماذا نشعر وكأن الثورة السورية هي قضيتكم المركزية؟ هل إن تبنّي الثورة السورية هو قدر محتوم يتقدم على قضايانا كمسلمين نعيش في هذا البلد الذي تتصارع فيه الطوائف والأحزاب؟
جميعنا عانى من بطش النظام السوري، ونعلم الأثر الإيجابي لسقوط هذا النظام على المسلمين السنّة في لبنان.. لكن هل هذا يوجب علينا أن ننصرف عن همومنا الداخلية وننشغل بملفات الثورة السورية حصراً؟
أليست شؤوننا الإسلامية الداخلية أحق بالاهتمام والرعاية؟ أين حراك هيئة علماء المسلمين من ظلامة الموقوفين الإسلاميين في السجون اللبنانية؟ وأين تأصيلها الشرعي لطروحات باتت تشكل خطراً على ساحتنا الإسلامية ويفتن بها شبابنا المسلم؟ وماذا عن أحوالنا الشخصية المستهدفة، الفساد الأخلاقي، والإعلام اللبناني الهابط... الخ؟

 مشايخنا الكرام. كل التقدير لتضحياتكم التي قدمتموها في ملف العسكريين المخطوفين، حيث تعرضتم خلالها للاستهداف الجسدي والمعنوي.. وللحق فإن الساحة الإسلامية أجمعت على استحسان قراركم بوقف وساطتكم واشتراطكم الحصول على تكليف رسمي علني من الحكومة للعودة إلى الوساطة، فضلاً عن جدّية الحكومة في التعاطي. وقد عكس هذا الموقف وعياً سياسياً عالياً بعد تجربتكم المريرة، حيث أكدت ردود الفعل التي صدرت عن بعض الموتورين من طبقتنا السياسية ووسائل إعلامنا اللبناني حول مبادرتكم الأخيرة، أكدت صوابيّة اشتراطكم الحصول على التكليف الرسمي من الحكومة.
فما الذي جرى؟ لماذا العودة إلى الحراك دون الحصول على هذين الشرطين أو أحدهما؟
لماذا الإصرار على تبوؤ مهامّ خطيرة في مجتمع لا يقدّر هذه التضحيات، بل ويقلبها اتهامات؟
أحسب أنكم بذلتم ما عليكم وزيادة، وأثبتم للجميع أنكم حريصون على دماء العسكريين المخطوفين - بمختلف طوائفهم – أكثر من الحكومة اللبنانية وطبقتنا السياسية التي تتشدق بحبّ الجيش اللبناني ودعمها له.
 
علماءنا الأجلاء. ساحتكم الإسلامية في لبنان أحوج إلى دوركم الرائد في حفظ حقوق المسلمين وتنظيم شؤونهم، بالتكامل مع دار الفتوى والقوى الإسلامية في لبنان.

مع فائق الاحترام لمقامكم الجليل، والاعتذار إن أخطأت في التعبير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق