5/17/2015

في تونس التي رأيت.. نساء تكنس الشارع! والسبب..؟

بقلم: أيمن المصري
في رحلتي إلى تونس، وخلال تجوالي في إحدى مناطقها، شاهدت امرأة تحمل المكنسة تنظف الرصيف تحت حرّ شمس حارقة، وقد ظننت حينها أن هذه المرأة تنظف فناء دارها، أو لعلها ناشطة في جمعية تطوعية في المجتمع المدني. ومرّ المشهد عابراً، فهو يقع في بلدنا لبنان.
لكني فوجئت في يوم آخر وفي منطقة أخرى، بمجموعة نساء كبيرات في السن، تلبسن لباساً موحداً، تنظفن الأرصفة والشارع في عزّ الظهيرة، فدفعني الفضول لسؤال صديقي التونسي الذي يقلّني في سيارته: ما حكاية هؤلاء النسوة؟ هل لديكم مناسبة الأسبوع الوطني للنظافة؟
ففاجأني أن هؤلاء تونسيات أصيلات، تعملن في تنظيف الشوارع كموظفات في البلدية!
لم أستوعب الإجابة، وأنا الذي لطالما سمعت عن تميز تونس في منح المرأة حقوقاً وامتيازات، ليست متوفرة في أيّ بلد عربيّ آخر.
فسألته مستغرباً: المرأة التونسية ابنة البلد تعمل في تنظيف الشوارع؟ لماذا؟ ما الذي يدفعها لهذا؟

وهنا كانت الصدمة الأكبر، حين أجاب صديقي: هذه إحدى النتائج السلبية لقانون منع تعدد الزوجات المعمول به في تونس!
وشرح: حين يمنع القانون التونسي الرجل من أن يتزوج امرأة ثانية، فهذا يضع الأرملة والمطلقة في وضع صعب، حيث يلزمها أن تنزل إلى ساحة العمل كي تعيل أطفالها، حيث من الطبيعي للرجل الراغب بالزواج أن يبحث عن الفتاة البكر، وليس الأرمل أو المطلقة أو العانس!
إذن، هذه المرأة المسكينة التي تعمل في المهن الشاقة، دافعها هو الحاجة المادية، لعدم وجود معيل لها.
قلت: سبحان الله. ما أعدل التشريع الإسلامي، ويا لواقعية شرعنا البعيد عن المثاليات، بل هو يعترف بمشاكل يقع فيها أفراد المجتمع، ويقدم لها حلولاً.

لست هنا في صدد نقاش جدلية التعدد التي لا تنتهي، لاسيما في منظورَي النساء والرجال. وأجدني – ابتداءً – منساقاً لأعلن أنني – على الصعيد الشخصي - ضدّ فكرة التعدد، إلا عند توفر الأسباب الموجبة.
لكن لمن يرفض مبدأ التعدد بالمطلق، فلينظر إلى النتائج السلبية التي ترتبت على المجتمع التونسي، بعد حوالي ستين عاماً من إقرار قانون منع تعدد الزوجات:

- تضطر المرأة في تونس لمخالفة فطرتها وطبيعتها الجسدية اضعيفة، فتنزل إلى سوق العمل، وليس أيّ عمل، فنحن لسنا نعارض عمل المرأة، لكن هي تعمل في: تنظيف الشوارع وفي الكاراج ومحطات البنزين والتاكسي.. لتأمين قوت يومها.

- إذا مرّ الزوج بظرف استثنائي، وابتلاه الله بأسباب تدفعه للتعدد، كمرض زوجته بحيث لا يمكن لها القيام بواجب أسرتها وبيتها، أو عدم توافق الزوجين، أو لأسباب شخصية بالزوج.. فإنه سيلجأ هنا إلى الفعل الحرام (المساكنة أو الزنا)، وهذا لا يجرّمه القانون التونسي، فيما يمنع عليه أن يتزوج على سنّة الله ورسوله. وبمعنى آخر: يباح للزوج أن يتخذ خليلة، لكن الحليلة (الزوجة الثانية) ممنوعة عليه. وطبعاً هذا يفتح باباً واسعاً لانتشار الرذيلة في المجتمع.

- شئنا أم أبينا، وبعيداً عن المجاملات واللياقات الاجتماعية، فإن هاجس التعدد لدى بعض الزوجات – وأشدّد على كلمة بعض وليس كلّ – يؤثر في حسن معاملة زوجها خشية أن يلجأ إلى الزواج الثاني الذي لا تتقبله. وفي الحالة التونسية، فإن الزوجة قد أمنت، فنامت.. والنتيجة أحياناً: الطلاق. وبحسب صديقي الذي ما زال يصدمني ببعض الدراسات (وهو الأستاذ الجامعي) أن نسبة الطلاق قد ازدادت بعد هذا القانون الذي أصدره الحبيب بورقيبة عام 1956، ضمن سلسلة قوانين اجتماعية من أبرزها: منع تعدد الزوجات، سحب القوامة من الرجل، جعل الطلاق بيد المحكمة عوضاً عن الرجل.. وما زال معمولاً بهذا القانون حتى اليوم.

- ومن أسباب منع قانون تعدد الزوجات، انتشار نسبة العنوسة في المجتمع التونسي، وارتفاع سنّ الزواج.

وكي أكون منصفاً، فإن بعض النساء اللاتي تتقبل هذا النوع القاسي من العمل، إلى جانب الحاجة المادية: عقدة المساواة مع الرجل. 
فهل هذا الواقع يرضي المرأة؟ وهل هذا هو ما تريده جمعيات حقوق المرأة الداعية إلى التخلص من قانون الأحوال الشخصية؟

هل نعي أن الله عزّ وجلّ حين يضع تشريعاً (وهو هنا رخصة وليس أمراً) فإنما ليكون علاجاً لمشاكل أسرية واجتماعية، وليس عن عبث؟! وأيّ تغيير في هذه السنن الربانية، فإنه سيؤدي إلى اختلال المجتمعات، فالله عزّ وجلّ هو الذي خلقنا، وهو العالم بأحوالنا وأحوال مشاكلنا الاجتماعية، فوضع الحلول لها. ويبقى علينا أن نلتزم بالقيود التي يضعها الله لتشريعاته ورخصه.

وأختم بتكرار التأكيد: لست هنا أدعو إلى التعدد، ولست معه إلا بقيود معينة مرتبطة بأسباب موجبة، لكن رفض هذا التشريع بالكامل يصيب المجتمع بآفات سلوكية واجتماعية مؤذية.
وإذا كانت الحركة الإسلامية في تونس (‫حركة النهضة‬) قد فاقت أقرانها في بقية الأقطار، بأن ترجمت شعارات "دور المرأة في المجتمع" عملياً في بنية تنظيمها.. فإنها مدعوّة للسعي إلى تعديل هذا القانون، مع الاعتراف المسبق بصعوبة تعديل ثقافة مجتمع عاش لأكثر من ستين عاماً سياقاً علمانياً رافضاً لكل ما هو إسلاميّ.
كان الله في عون المرأة التونسية.. والرجل أيضاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق