7/03/2015

حول مشاركة الجماعة الإسلامية في إفطار الحرس الثوري


بقلم: أيمن المصري

أثارت مشاركة رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية الأستاذ عزام الأيوبي في إفطار الحرس الثوري الإيراني في الضاحية الجنوبية استنكاراً واسعاً، وتسببت هذه المشاركة بموجة غضب في الصف الداخلي للجماعة والساحة الإسلامية في لبنان بشكل عام.

والآن بعد أن هدأت "الثورة" قليلاً، أودّ أن أتوقف عند بعض المفاهيم، والملاحظات التي برزت في هذه المحطة، مشيراً أنني أتحدث في هذه السطور بصفتي الشخصية ولا أمثل أحداً:

1- على قيادة الجماعة الإسلامية أن تراعي أن الساحة الإسلامية في لبنان لا تنظر للجماعة كمجرد جمعية أو هيئة، بل ينظر لها أنها الحركة الأم والفصيل المنظم الأكبر. وإذا كان الخطأ مقبولاً من جمعيات ناشئة (على فضلها)، فهو ليس مقبولاً من كبرى الحركات الإسلامية في لبنان، التي تتمتع بعمق فكري ونضج سياسي، وتاريخ من العمل الجهادي والدعوي والتضحيات الكبيرة، أكسبها خبرة ودراية في التعاطي مع الأمور.

2- الجماعة الإسلامية في لبنان لا تمثل في حركتها السياسية تنظيم "الجماعة الإسلامية" فقط، بل هي تعبّر عن ساحة عريضة. فالجماعة تخرج شيئاً فشيئاً – عبر أدائها السياسي والإعلامي المنفتح – من الشكل النخبوي المنغلق إلى العمل الجماهيري الواسع. وبالتالي، مطلوب من قيادة الجماعة عند اتخاذ أيّ خطوة من هذا النوع، مراعاة تفاعل الساحة الإسلامية بشكل عام وليس صفها الداخلي فقط.

3- حين تقرر جهة إسلامية ما الانفتاح على العمل العام ولاسيما الشأن السياسي، فهذا يحتم عليها اعتماد معايير مختلفة عن تلك المعتمدة في العمل الدعوي داخل الساحة الإسلامية، وهنا أعني تحديداً المرونة. وقدرنا أن الساحة اللبنانية تتميز بتنوّع طائفي ومذهبي وحزبي. فكيف يكون لك حضور في الساحة، إذا لم تعترف أنت بهذا التنوع وتتلاقى معه، فيتعرف على أفكارك ويسمع موقفك من القضايا الخلافية؟ وإلا، ستظل هذه الجهة تخاطب نفسها.

4- إذا كان البعض يعتقد أن العمل السياسي أو الإسلامي العام يعني أن أطلق موقفاً ثم أنزوي في مقرّي الحزبي، فهو مخطئ. العمل السياسي هو التواصل مع الآخر وتحصيل المصالح والتعاون في المشتركات.. وحين نقول "الآخر" فهذا يعني الآخر العلماني أو الشيعي أو الدرزي أو المسيحي أو الشيوعي أو... وحين نقول "الآخر" فهذا يعني أنك تختلف معه في قضايا معينة، وقد تكون كثيرة.

5- كل مؤسسة رسمية أو حزبية تضطر أحياناً إلى اتخاذ قرارات "غير شعبية"، تستفزّ ساحتها وتثير فورة غضب ضدّها. قد تتحمل المؤسسة هذا الضغط الشعبي (أو الحزبي) في مقابل تحصيل مصلحة ما، تراها قيادتها. ولو دخلنا في أحوال الأحزاب اللبنانية لرصدنا كثيراً من مثل هذه الحالات. 

6- من الأهمية بمكان، التدرج في كسر الحاجز النفسي لدى الرأي العام عند القرارات غير الشعبية، للتقليل من ردة فعله.

7- رغم الخلاف القائم، لكن في مرحلة ما، قد تفرض مصلحة سياسية أو إسلامية معينة، التلاقي بين الجماعة الإسلامية وحزب الله. حزب الله هنا هو "الآخر" الذي أختلف معه، لكن ثمة مصلحة مشتركة أو ضرورة معينة اقتضت التلاقي. فليكن، لكن لنشتغل قليلاً على ظروف اللقاء والتي تلعب دوراً كبيراً في جعله مقبولاً أو لا، كمثل: التعتيم على الإعلامي على اللقاء أو إعلانه – مستوى التمثيل – مكان اللقاء – زمان اللقاء - المشاركون فيه... هذه تفاصيل لا بدّ أن تراعى، فهي من الأهمية بمكان، إذا لم يؤخذ بها، قد تنقلب المصلحة إلى مفسدة.

8- إذا اقتضت مصلحة ما لقاء الطرفين، فمن غير الطبيعي أن يكون اللقاء في مناسبة عامة كالإفطار وسط جهات محسوبة على هذه الفئة. فهذه المشاركة باتت مجاملة للجهة الداعية، أكثر منها ضرورة لتحقيق مصلحة.

9- ذكر الأستاذ عزام الأيوبي في رسالته (غير الرسمية) أنه شارك برفقة الإخوة في حركة حماس (د. موسى أبو مرزوق) "الذي أسمع الحضور مواقفنا بكل جرأة وصراحة". وهنا أقول: أفهم الضرورة التي تحتم على الإخوة في "حماس" التواصل - لمصلحة ما - مع القيادة الإيرانية، ومعلوم مستوى التنسيق والدعم الإيراني السابق لحركة المقاومة في غزة. قد نفهم هذا الأمر لحركة حماس، لكن ما الضرورة التي تفرض على الجماعة الإسلامية التواصل مع الحرس الثوري الإيراني، ولا يجمعهما أيّ مصلحة أو تنسيق، لا سابق ولا حالي.

10- وإذا كان مقبولاً من قيادة الجماعة أن تلتقي قيادة #حزب_الله لمصلحة ما، فالحزب أولاً وأخيراً مكوّن أساسي في لبنان.. وإذا لم نقل إنه يمثل الجناح المسلم الشيعي في لبنان، فإنه على الأقل يمثل شريحة كبيرة من اللبنانيين. قد يكون مقبولاً التواصل معه، رغم الخلاف الكبير القائم حالياً، لكن ما الضرورة في التلاقي مع خصم لا تجمعنا معه أيّ علاقة سياسية أو شراكة وطنية.

11- الجماعة الإسلامية تنظيم مؤسسي تحكمه نظم وقوانين ومؤسسات متخصصة. ولا يمكن لخطوة بهذه الخطورة والحساسية أن تكون تصرفاً فردياً من رئيس المكتب السياسي للجماعة.

12- لفتني في الرسالة التي نشرها الأستاذ عزام الأيوبي حديثه عن "التسريب المقصود". وليعذرني الأخ الكبير الأستاذ عزام، فكيف يستبعد تصرفاً معيباً كهذا وفي المجلس من باع ذمته وطائفته من أجل منصب أو حفنة دولارات. وجميعنا عرف من ضمّ هذا الإفطار.

13- أكاد أجزم أن المشاركة في مناسبة أية جهة لبنانية، سيكون عليها أيضاً مآخذ، ودعوني أسرد لكم هذه الأسماء، تاركاً لكم استحضار تاريخ كل منها في أذية ساحتنا الإسلامية أو خلافنا معها: حركة أمل – حزب الله – القوات اللبنانية – وزير الداخلية – تيار المستقبل - التيار الوطني الحر – حزب الكتائب – الحزب التقدمي الاشتراكي – حزب البعث – الحزب القومي السوري... كل جهة من هذه الجهات بيننا وبينها خصومة (قديمة أو حالية).. وأنقل ما ذكره الأستاذ عزام في رسالته: "فكل من نلتقيهم في لبنان مثل بعضهم تجاهنا وتجاه إخواننا، فمن يقتلك في سوريا لا يختلف عمن يقتلك في مصر، وكذلك لا يختلف القاتل المباشر عمن يقتلك بالمال أو بالممالأة".

14- المشاركة في الإفطار استدعت ردود فعل واسعة، كان المشترك بينها الرفض والاستنكار. ومن حق الصف الداخلي للجماعة كما أبناء الساحة الإسلامية التعبير عن رأيهم، لا يملك أحد أن يمنع هذا الحق. وقد ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في أن يشعر كل واحد منا أنه يحق له أن يقول ما شاء في ما يشاء. لكن المؤذي حقيقة كان انجرار البعض لثقافة الشتم والتخوين والتجريح الشخصي، وهذا ما لا يقبله شرعنا في خلافنا. وإذا كان أبناء الدعوة يتميزون بحسن أخلاقهم وتربيتهم، فلماذا ينسونها عند الاختلاف؟ لن نقول إن النصيحة يجب أن تكون في السرّ، فلنقلها في العلن، ويجب أن نقولها أحياناً، فنحن جزء من الرأي العام الذي يؤثر في مواقف قيادات الساحة الإسلامية.. لكن لماذا اللجوء إلى لغة تتعارض مع تربيتنا وديننا؟ فأيّ دعوة نحمل وأية رسالة سامية ننشر إذا كنا نحن فيما بيننا نشهر سلاح التخوين والتجريح كلما اختلفنا؟

15- من الضروري جداً على المشاركين في المجموعات على "الواتسآب" أن يعلموا أن أيّ كلمة يكتبونها هي عرضة للنقل والنشر. حتى لو كانت هذه المجموعة "الغروب" خاصة وتنظيمية. فليس من سرّ على وسائل التواصل الاجتماعي. وما أكثر المصادين في الماء العكر.


نسأل الله أن يلهم قيادة الحركة الإسلامية ما فيه خير ديننا، ولنتق الله في إخواننا وفي دعوتنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق