2/25/2008

الذكورة المفترى عليها

بقلم: أيمن المصري

لقد خلق الله الرجل والمرأة ووزّع الأدوار بينهما، وجعل في تكوين كل منهما ما ييسر له القيام بمهامه. فحمل الرجل مسؤولية إعالة الأسرة وحمايتها وقيادتها، يعينه على ذلك القوة التي وضعها الله فيه. وتولت المرأة رعاية شؤون بيتها وزوجها وأولادها وصناعة أجيال المستقبل، مستعينة بما حباها الله من عاطفة وميل إلى السكن والاستقرار. ولضمان حسن سير الحياة بين الزوجين، فقد أمر الشرع الحنيف الرجل بحسن معاملة زوجته والإحسان إليها، كما أمرت المرأة بطاعة زوجها وحسن تبعّلها له، ناهيك عن تفهّم كل منهما لطبيعة واحتياجات الآخر.
وبذلك، فقد نظّم الإسلام موقع كل من الرجل والمرأة في المجتمع، انطلاقاً من الاختلاف البيولوجي والنفسي بينهما، بحيث يكمل أحدهما الآخر، وهو اختلاف في الاختصاصات والمهام وليس في المكانة.
ومرّت في التاريخ الإسلامي محطات مارس الرجل فيها سطوة على المرأة، وساد سلوك "الاستعلاء الذكوري" في التعامل معها، فوقعت تحت ظلم سلبها الكثير من حقوقها التي منحها إياها الإسلام. 
وكردّة فعل على تلك الممارسات الخاطئة، برزت حركات "التحرر النسوية" التي تنادي بحقوق المرأة وتدعو إلى استرداد موقعها في المجتمع. وأدى علماء عصرنا الحاضر دوراً مهماً في تصحيح الخلل وتوضيح مكانة المرأة في الإسلام، داعين إلى رفع الغبن عنها.

التظلّم لا يبرّر التجاوز
لكن تلك الحركات ذهبت بعيداً في مطالبها، متجاهلة دور المرأة الذي خلقت من أجله وطبيعة تكويناتها الخاصة.. 
وتصدّرت أصوات إسلامية للدفاع عن صرح المرأة المنتهك، وبتنا نسمع من دعاة ومختصين اجتماعيين عن ضرورة أن يجتهد الرجل ويقرأ لكي يستطيع فهم المرأة وتكوينها النفسي واحتياجاتها العاطفية، كما قد يتطلب الأمر إعادة صياغة نفسه وشخصيته ليكون بمستوى التعامل مع المرأة، وإلا فإنه يكون رجلاً "ذكورياً" متخلفاً لا يصلح أن يعيش في عصرنا هذا.
وبات كثير من دعاتنا الجدد – بهدف إظهار الوجه الحضاري للإسلام أمام الغرب بل والمزايدة عليه – يبالغون في التركيز على صورة الرجل الرقيق في تعامله مع زوجته، والذي لا تفارق الوردة الحمراء أو الهدية يده، ويعملون – عن غير قصد - على تشويه سمات الرجولة، كالشدة والحزم.. مستشهدين ببضع حوادث خاصة في تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته.. ويبدؤون بكيل الوعظ والإرشاد العائلي للزوج المقصر بحق زوجته… الخ.
حتى بات شائعاً أنه إذا وقع خلاف بين الزوجين، فإن اللوم يقع على الزوج بالدرجة الأولى.

مفاهيم خاطئة
معلوم أن الذكورة هي سمة تكوين الرجل، فيما تعني الأنوثة في اللغة: المرأة الكاملة، والأنثى هي خلاف الذكر. لكن أليس غريباً أن يكون المفهوم الشائع للذكورة صفة ذميمة يوصف بها الرجل "الرجعي"، حتى ليكاد يصور وكأنه رجل يلبس جلد الحيوان يحمل المطرقة ويخرج من الكهف من أيام العصور الوسطى، بينما نلاحظ أن الأنوثة صفة حميدة للمرأة، تفاخر بها وتعتبرها إطراءً بحقها إن وصفت بها؟!
وفي هذا الإطار يسجّل لـ "اللوبي النسائي" نجاحه في تكريس هذه المفاهيم حتى باتت أصلاً وقانوناً! ويسجّل له أيضاً نجاحه في التعتيم الإعلامي على حقائق علمية تتعلق بالفروق الكثيرة بين كل من الرجل والمرأة.
ولعل هذا النجاح يعطي دليلاً إضافياً على حسن توظيف المرأة للعلوم الإعلامية واستخدامها في معركتها مع الرجل".

فروق بين الجنسين
إن بين الرجل والمرأة اختلافات بيولوجية ونفسية وخلقية لا يمكن إنكارها. وسأتطرق لجانب واحد فقط من هذه الفروق: دماغه ودماغها، حجم دماغ كل منهما وأقسامه ووظائفه، حيث إن وظيفة الدماغ وتركيبته تفسر جزئياً سبب اختلاف تفكير الرجل عن تفكير المرأة بشأن الكثير من الأشياء.
والحديث عن الفروق بين الدماغين معقّد وشاق، لكثرة المصطلحات العلمية والدلالات النفسية، لكني سأسهل على القارئ مشقة الغوص في تلك المتاهات، وأقدم له بعض الحقائق بأسلوب مبسط، قمت باستخلاصها من دراسة علمية موثقة:
- الرجل لا يهتم بإقامة علاقات اجتماعية قريبة، لأن تركيبة عقله تميل إلى المنافسة والسيطرة، بخلاف المرأة التي يشكل العنصر الأساسي في اتصالها التناظر والتشابه.
- الاستجابة العاطفية للرجل لا تدوم مدة طويلة، بل سرعان ما يبحث عن استجابة عقلانية للتعامل مع المؤثرات العاطفية. وقد لا تقلّ ردّات فعل الرجال عن النساء، لكن الرجل أقدر – لسبب تكويني في الدماغ – على توجيه أنشطته الدماغية في هذا الظرف نحو التفكير المنطقي.. ويؤكد الرجل هنا أن العواطف لا تقف عقبة في وجه إنجاز ما يتعين عليه إنجازه.
- الرجل ليس لديه القدرة الدماغية للتعبير عن المشاعر العاطفية بالسهولة نفسها التي تتمتع بها المرأة، حيث إن دماغ الرجل غير مجهز للتشبث بالعواطف، فضلاً عن ترجمتها إلى كلمات.
- يصعب على الرجل أن يتحدث عن آلامه ومشاكله أمام المرأة، والعكس صحيح بالنسبة إليها. والرجل يرى في كشف عيوبه أو الحديث عن ضعفه.. فقداناً لتميزه وكسراً لرجولته.
- يتيح تكوين دماغ المرأة التعامل مع أكثر من مهمة في الوقت نفسه، بخلاف الرجل. والذي لا يقتنع بهذا الكلام، فليجرب أن يأخذ مكان زوجته ليومين ليس أكثر، في رعاية شؤون المنزل والأولاد.. إنه سينهار حتماً.
ونخلص بعد هذا العرض إلى أن المرأة تتمتع بالكثير من المهارات والقدرات لا يتمتع بها الرجل، والعكس صحيح. وأعيد لفت النظر إلى أن كل نقطة من هذه النقاط لها سبب وتأصيل علمي يتعلق بتقسيم دماغ كل من الرجل والمرأة.

بناءً عليه..
استتباعاً لنظرية المؤامرة على الرجل، أطرح هذه الأسئلة:
لماذا يطلب من الرجل أن يتخلى عن سماته الذكورية كي يستطيع التعايش مع نصفه الآخر ويصبح زوجاً صالحاً؟ ولماذا في المقابل لا يطلب من المرأة أن تخطو خطوة باتجاه فهم طبيعة الرجل والاختلاف بينها وبينه.
ولماذا لا نريد أن نعترف أن الله عز وجل حين خلق الرجل والمرأة، جعل تكوين كل منهما بحسب ما أوكل إليه من مهام؟!
وهل بعد كل هذا يحق للمرأة أن تقول: أبحث عن الرجل الحق فلا أجده؟ ألا تعلم المرأة أن الرجل حين يفقد رجولته، فإنها بالتالي ستفقد أنوثتها؟!
من الأهمية بمكان أن يقتنع الزوجان أن كلاً منهما لا يفكر بالطريقة نفسها، ولا يتعاطى كل منهما مع الأحداث بالدرجة والأهمية نفسها.
وعليه.. فإني أدعو إلى تصحيح مفهوم "الذكورة" المفترى عليه، وأطالب باسترجاع حقه الطبيعي في الحياة الكريمة، جنباً إلى جنب "الأنوثة" وبنفس الاحترام والتقدير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق