12/17/2015

في الانتخابات الداخلية للحركة الإسلاميّة في لبنان

بقلم: أيمن المصري
تقترب الحركة الإسلامية في لبنان من موعد استحقاق مفصليّ يتمثل بالانتخابات الداخلية، ابتداءً من الأمانة العامة (الموقع الأول في الجماعة) وصولاً إلى المكاتب الإدارية المحلية في المناطق اللبنانية. ويحكم سير العملية الانتخابية نظام داخلي يبيّن آليات الاختيار ويحدّد الحقوق والواجبات.
وتتميز هذه المحطة الانتخابية بخصوصية استثنائية، حيث تنتقل قيادة الحركة الإسلامية من جيل القادة المؤسسين الثلاثة (فتحي يكن وفيصل مولوي رحمهما الله – إبراهيم المصري) الذين يختزنون تاريخاً حركياً عريقاً ورصيداً كبيراً في الداخل والخارج.. تنتقل إلى جيل "التابعين"، على فضلهم وعطائهم. ومهما تحدثنا عن مؤسسيّة العمل الدعوي والنظم التي تحكم عمل الجماعة، تبقى للشخصيات المؤسسة قيمتها الاعتبارية الجامعة، بحيث تقبل القواعد منها ما لا ترضاه من غيرهم.
هذه الانتخابات الداخلية تشارك فيها هيئات ناخبة ذات مستويات ثقافية وعمرية متفاوتة. وككل عملية انتخابية واسعة بهذا الحجم، وبهيئات تحمل هذا التنوّع، يعتريها سلوكيات وممارسات خاطئة لبعض الأشخاص، تتنافى مع أدبياتنا الإسلامية فضلاً عن الحركية.
وإني وإن كنت لا أحمل فقهاً شرعياً متخصصاً، ولا حكمة شيوخ شابت رؤوسهم في العمل الإسلامي، لكني أردت من خلال هذه المادة أن أناقش بعض الظواهر السلبيّة التي ترافق تلك المحطة، لعلّي أدفع أهل الاختصاص لوضع تأصيل حركيّ للانتخابات التنظيمية، يستهدي به أبناء الجماعة.

1- النظام الداخلي
لكل تنظيم أو حزب، نظام داخلي تتوافق عليه الدوائر المختصة، وتعلن الهيئات الناخبة قبولها العمل على أساسه والالتزام بقواعده.. فيكون هو المرجع عند وقوع أيّ تباين في وجهات النظر حول شأن من الشؤون الداخلية.
لكن.. قبل هذا النظام الداخلي وبعده، فإن ما يجمع الإخوان هو العمل لله ومرضاته، وما يحكم علاقة الصف بالقيادة هو الثقة، أحد أركان البيعة التي أدّاها الإخوان تجاه خالقهم عند الانتساب للجماعة.. فنحن أولاً وآخراً أبناء دعوة، لا طلاب مناصب.

2- في السرّية
لقد فرضت الظروف السياسية والأمنية الاستثنائية التي مرت بها الحركة الإسلامية في لبنان، من تضييق وملاحقات لاسيما خلال الهيمنة السورية.. هذا الواقع فرض عليها التزام السرّية في معظم مفاصل عملها، خصوصاً ما يتعلق بشؤونها الداخلية، مستندة أيضاً إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استعينوا على قضاء حوائجكم بالسر والكتمان". لكن هذا الواقع قد تبدل، وتمتعت الجماعة بهامش جيد من الحرية، وباتت جزءاً من الخريطة السياسية، تمارس العمل العام وتنشئ المراكز وتنظم الفعاليات وتعقد المؤتمرات والأنشطة العامة.. 
هذا الأمر يحتّم على قيادة الجماعة أن تعيد النظر في سقف المعلن والمستور في شؤونها الداخلية.

3- طالب الولاية
من القواعد المتعارف عليها في أدبياتنا التنظيمية أن "طالب الولاية لا يولّى"، وتسري هذه القاعدة على المراكز والمواقع بمختلف مستوياتها. وكل أخ "يخالف الأصول" فيعلن استعداده لتولّي مركز قيادي، سواء مسؤولية لجنة أو دائرة أو مكتب إداري.. يُنظر إليه نظرة الطالب للمنصب، الباحث عن الوجاهة.
أقول: لقد تربينا في الحركة الإسلامية أن المسؤولية تكليف لا تشريف، وتعلمنا في "أركان البيعة" على "الإخلاص والتجرد"، وتجد بعض الإخوة من يفاخر أنه نجح في التهرب من المسؤولية..
لكن، أحسب أن الأمر فيه شيء من التفصيل، حيث تختلف الولاية الأول في القيادة وبين إدارة الأقسام التنفيذية.
إن مما تعانيه الحركة الإسلامية اليوم أن بعض الإخوة أصحاب الكفاءة يتهربون من حمل أية مسؤولية بذريعة أنهم ليسوا طلاب كراسٍ، ويردّدون قصصاً ومواقف في الزهد (الأتقياء الأخفياء)، كي يبقوا عناصر عاديين دون حمل أية مسؤولية، متناسين أن هدف انتظامهم في صف الجماعة هو توظيف مهاراتهم وخبراتهم للدعوة، ومتجاهلين أن العمل يحتاج قيادات وكفاءات، إلى جانب العناصر الميدانية.
لقد بات العمل الإسلامي يحتاج رجالاً يقدمون بعزيمة وحماسة، فيعرضون خططهم أو مشاريعهم للنهوض بالعمل.. والحكَم في الاختيار هو الهيئة الناخبة، التي تتحلّى بصفات الرأي والخبرة في مستلزمات العمل.
لقد كثر الزاهدون وقلّ المقدِمون.. والعمل – بمختلف أقسامه - ينتظر فرسانه قائلاً: من يحمل الراية، فيبرز ويبدع ويحقق الإنجازات؟

4- الكيد التنظيمي
لا يخفى على العاملين في الحقل الإسلامي، لا سيما المنظّم، تسرّب أمراض بدأت تخلق مناخاً سلبياً. وأتحدث هنا تحديداً عن مرض "الكيد التنظيمي" داخل الصف. والمشكلة حين لا يتوقف هذا الكيد عند ممارسات "طامح" أو "مشاكس"، بل تعظم عند قيامه بالتأثير على مجموعة من الشباب حوله، فيشحن نفوسهم عبر تلبيس "مصالحه التنظيمية" شعارات دعوية وإسلامية عامة تدغدغ مشاعر بعضهم (الإصلاح – دور الشباب – تطوير الخطاب...)، فيتحمسون حاملين لواءه "الإصلاحي"، ليتحولوا لا شعورياً إلى مصدر إزعاج لـمنافسيه عند الاستحقاقات الانتخابية.. 
إن هذا الواقع الطارئ غير الصحّي يفقد العمل الإسلامي بركته، ويشغل أبناءه بأبنائه. فأيّ دعوة ستكون؟ وأيّ رضا من الله سنفوز؟ ويا فرحة الشامتين!

5- المشاورات
نسمع في بعض المحطات الانتخابيات مصطلحات مثل "تكتلات، كَولسات…"، ويتم وضع هذه الممارسات في الإطار السلبي.
وهنا نقول: الأصل في شكل الشورى أن يعرض صاحب كل رأي رأيه، ثم يُترك الأمر للناخبين، فيختارون الرأي الذي يرونه خيراً للدعوة وما ارتاحت إليه نفوسهم، وهم عند اختيارهم يعلمون أنهم محاسبون أمام الله تعالى إن خالف اختيارهم مصلحة العمل الإسلامي.
وعليه، فإن من حق أيّ أخ أن يسعى لإقناع الآخرين برأي يرى فيه مصلحة الدعوة أو يطرح اسم يرى فيه الأهليّة للموقع المطروح، بل لعله يكون مطلوباً منه أن يفعل.. وتالياً، فإن من حق أيّة مجموعة من الناخبين أن يجتمعوا على رأي معين ويحاولوا إقناع إخوانهم به، شرط صدق النية وليس المناكفة الانتخابية.. وأكرر: شرط صدق النيّة، وهذا هو المعيار الأساس.
ومع أن إدارة الجلسة تخصص وقتاً للتداول ضمن الاجتماع الرسمي، وقد يستغرق ذلك ساعات.. لكن ما المانع من إجراء بعض التداول الفردي قبل الجلسات؟ أليس ذلك أدعى أن تنضج الطروحات أكثر؟ ما دمنا نتحدث عن الاجتهاد في اختيار الأكفأ لعمل إسلاميّ وليس منصب دنيوي.
إن هذا الفعل لا يتنافى مع مبدأ الإخلاص والتجرد، فالأصل أن الجميع يسعى لما فيه مصلحة الدعوة، لا المنفعة الشخصية. 
وإلا.. إذا قدم أعضاء الهيئة الناخبة إلى جلسة الاقتراع، دون المرور بمرحلة المشاورات بأشكالها المتعددة، فإن السفينة قد تتجه اتجاهاً عشوائياً، والتصويت قد يقع على رأي غير ناضج، لاسيما في حال وجود كتلة حديثة عهد بمثل هذا الاستحقاق، فتدلي بأصواتها عن غير دراية بانعكاسات اختيارها.

6- الجرح والتعديل
خلال عملية التداول بالأسماء، يقع البعض في محظور شرعي. فبدل أن يجري تقييم الأخ (المطروح اسمه) في أهليّته لهذا الموقع أم لا، ينجرف البعض إلى الغيبة أو التشهير الشخصي، الذي لا علاقه له بالموقع المرشح له. وإذا افترضنا وجود سبب شخصيّ يحول دون قبول الأخ لهذا المنصب، فالأصل أن تراعى الضوابط الشرعية في ذكر العيب أو النقيصة.
وعدم أهليّة أخ ما لموقع معيّن، لا ينتقص من قدره ومكانته، فالعمل الإسلامي تخصّصات، ومن يصلح للتربية لا يصلح للسياسة، ومن يصلح في العمل الطلابي لا يصلح في الإدارة المالية... وهكذا.

7- الشيوخ والشباب
أيضاً في مرحلة التشاور التي تسبق العملية الانتخابية، يهمس بعض الشباب المتحمّس حديث العهد في الصف أن إخوانهم كبار السن (قدماء الجماعة) "باتوا لا يصلحون للعمل، فقد شاخوا وكبروا، ولم يعد لديهم ما يقدّمونه للدعوة، وخير لهم أن يفسحوا المجال للدم الجديد كي يتقدّم".
وبمعزل عن نقاش هذه النظرية، فإن هذا الكلام يتسبّب بجرح لإخواننا الكبار الذين سينظرون إلى الشباب كأنهم ناكرون للجميل.
وما زلت أحفظ كلمة قالها الفقيه الشيخ فيصل مولوي رحمه الله، حين ذكر أحدهم أمامه أخاً كبيراً بوصف ينتقص من قدره، فقال رحمه الله: "كل أخ سبقك بيوم في الجماعة، له فضل عليك".
لقد أمرنا الشرع الحنيف أن نحترم الأكبر منا سنّاً، فكيف وقد سبقنا في الدعوة، وربّى أجيالاً، قد نكون نحن إحدى ثمارهم.

8- تقديم برامج انتخابية
معلوم أن نظُم #الجماعة_الإسلامية في العملية الانتخابية لا تسمح للأخ أن يقوم بترشيح نفسه لمسؤولية قسم أو دائرة، بل المتعارف عليه أن يتوافق على تسميته مجموعة من الإخوة يرون فيه الكفاءة، فيعملون على تسويقه ضمن الهيئة الناخبة عبر عرض ميزاته وقدراته. وقد يكون مطروحاً أكثر من اسم لمسؤولية هذا القسم. وهنا تطلع بعض الأصوات في جلسة الانتخاب أننا نحتاج من هذه الأسماء أن نسمع برامجهم الانتخابية كي نبني عليها اختيارنا.. وذلك تأثراً بما تجري عليه العادة في الاستحقاقات الانتخابية النيابية أو البلدية، حيث يعلن المرشح برنامجه الانتخابي ويقوم الناخب بالتصويت لمن اقتنع فيه أكثر. وهذا إسقاط خاطئ، فللدعوة خصوصيتها، من حيث المنطلقات والأهداف والضوابط. ونعود لمسألة طرح خطة العمل، فنقول إن الأخ لم يطرح نفسه أساساً للترشيح كي يحضّر برنامجه الانتخابي، فضلاً عن أن هذا الخطة تكون نتاج تفكير فريق العمل (أعضاء القسم/الدائرة) الذي يعقد جلسات عديدة للتخطيط وتوزيع المهام.. ومن غير الطبيعي أن يعدّ الرئيس خطته بمعزل عن فريقه.

9- معايير الاختيار
عند التصويت لموقع معين، على الناخبين أن يحسنوا التفريق بين الموقع الشوريّ والموقع التنفيذيّ. فالأقسام التنفيذية تحتاج شباباً أصحاب همم عالية، يقدمون ويناطحون الصعاب، مع الكفاءة المطلوبة.. أما المجالس الشورية فهي تحتاج رجالاً أصحاب رأي وحكمة، أكسبتهم الممارسة على مدى سنوات طويلة خبرة في العمل الإسلامي، ولم تعد تسمح لهم ظروفهم بتحمّل تعب اللقاءات والمتابعات الميدانية. 
وهكذا، تلتقي حكمة الشيوخ مع حماسة الشباب، لتنتج عملاً سليماً متكاملاً. وبطبيعة الحال ليس لزاماً أن يكون صاحب الرأي كبيراً في السن، وإن كان الأصل أن يكون كذلك.
إذن، ليس النشاط والحيوية هو المعيار السليم لاختيار أعضاء المجالس الشورية، والعكس صحيح. 

10- طبائع النفس
تحدثنا عن حكمة الشيوخ وحماسة الشباب. لكن علينا أن نلحظ في هذا السياق أن الله عزّ وجلّ قد خلق البشر طبائع مختلفة، فمن الناس من يمتلك صفات القائد ومنهم الجندي، ومنهم من تجده مقداماً مغامراً، وآخرون تجدهم هادئين يغلب على تفكيرهم الحكمة والرأي (وهذا التنوّع موجود في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ومنهم الإنسان العملي، ومنهم من لا تأخذ منه إلا الكلام و"التنظير".
لنتخيّل قسماً حيوياً كقسم الطلاب مثلاً، أكثر أعضائه إخوة أصحاب قول لا فعل. ماذا ستكون النتيجة؟ قطاع طلابي خامل لا يأتي بخير، فيما يجب أن يكون هذا القسم هو محرك الجماعة ورافدها الأساسي.
لننتبه عند اختيارنا، أن هذا الصنف من الإخوة سيكون عبئاً على القسم، ووجوده مهم في حدّه الأدنى، فمن المهم أيضاً أن يكون بين الفريق من يراقب ويرصد الخطأ وينقد، النقد البنّاء.

11- لأجل التغيير
يتحمّس بعض الشباب متأثراً بما بثورات الربيع العربي ورياح التغيير، فيرى مشهد جماعته أمامه قاتماً يحتاج تغييراً ضرورياً كي يستقيم العمل، ويعيش حالة شعورية تدفعه للرغبة في الثورة على كل ما هو موجود من نظُم وواقع داخل الصف. فينجرّ للدعوة إلى التغيير، بمعزل عن تقييم هذا الواقع والنظر في أسبابه.. فيتحمس للمطالبة بتغيير الواقع حتى لو كان سليماً، وحتى لو كان البديل المطروح أقلّ مستوى وكفاءة. وهذا يعتبر قصوراً في النظر للأمور. 

12- الورقة البيضاء
نتيجة حالة شعورية معينة، أو خصام لم تفلح القيادة في علاجه، يلجأ بعض الناخبين لوضع ورقة بيضاء عند التصويت على اسم معين لمسؤولية ما، و"الورقة البيضاء" حق مشروع لكل مقترع في أيّة انتخابات في العالم.
لكن، إذا تفكرنا قليلاً بهذا الفعل، سنجده تخلياً عن مسؤولية "الحدّ الأدنى"، وهي المساهمة باختيار الأصلح، فالشهادة – مهما كان الموقع – أمانة يسألنا الله عنها يوم القيامة. وإن الحق الممنوح للهيئة الناخبة في المشاركة باختيار قيادة مواقع في العمل الإسلامي، يلقي على عاتقها مسؤولية شرعية، فضلاً عن التنظيمية، في اختيار الأكفأ للموقع.. وليس بين صفوف الجماعة صنف "اللامبالين"، بل الحريصين على اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب، للارتقاء في الأداء.

13- التجرد عند الاختيار
قد تقع بين بعض العاملين في العمل الإسلامي مشاحنات شخصية، أو قد لا تتوفر الراحة النفسية بين شخصين هنا أو هناك.. وهذا طبيعي، فالعاملون للإسلام هم بشر أولاً وأخيراً يخطئون ويصيبون، والأرواح جنود مجنّدة. لكن عند عملية التصويت، على الأخ أن يضع موقفه الشخصي من "غريمه" المرشح. فإن كرهت أخاً لأمر شخصي بيني وبينه، وكنت أراه كفؤاً لمنصب معيّن، فالواجب أن أقدّم المصلحة العامة، وهذا أمر لا يطيقه الجميع، لكنه ترجمة عمليّة لأحد أركان البيعة "التجرد".

14- بشرية العاملين للإسلام
من الأخطاء التربوية التي يقع فيها بعض المربين في الصف الداخلي عند تربية الأفراد، تلك الصورة الملائكية التي يضفونها على إخوانهم العاملين في الحقل الدعوي وقادته، فيصفونهم أنهم "ليسوا طلاب مناصب، والمسؤولية تكليف لا تشريف، ونتميز عن غيرنا بتجردنا وحسن أخلاقنا وتفانينا...". هذا صحيح، هذه – في الأصل - أخلاق العاملين للدعوة ومفاهيمهم التي ينشأون عليها، لكن ليسوا جميعاً كذلك، ليسوا كلهم قالب واحد.. وكما كان الصحابة يتفاوتون في تقواهم وزهدهم وتضحياتهم، فمن باب أولى أن يكون هذا موجوداً في صفوف العاملين في العمل الإسلامي. والواقعة حين يفاجأ هذا الأخ حديث عهد، بأخطاء أو سلوكيات – كالتنافس على موقع أو محاولة التأثير على الناخبين لكسب أصواتهم - ما كان يتوقعها في فرد ينتمي لحركة إسلامية، فتتولد لديه ردة فعل سلبية، وقد ينزوي أو يصاب بحالة إحباط. وهنا نقول: إن انضمام الشخص لحركة إسلامية لا يلغي طباعه السيئة، بل يهذبها، فالطبع متجذر في نفس الإنسان، والالتزام يغير سلوكياتنا لكنه لا يقلب الطباع، وأقصى ما يمكن أن يفعل الالتزام هو أن يهذبها فقط. لقد اعترف رسول الله صلى الله عليه وسلم بميل أبي سفيان للزعامة وحظ النفس، ولم يحاول كسر هذا الطبع لديه بعد إسلامه، بل راعاها عند دخول مكة وقال: "ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن". ونعلم أن الصحابة رضوان الله عليهم وقع بينهم خلاف على الزعامة في مرحلة تاريخية معينة.
على الدعاة والمربين أن يكونوا واقعيين في تربيتهم الأفراد ووصفهم العاملين للإسلام، خشية أن يصاب البعض لاحقاً بخيبة أمل إذا رأى نماذج لا تتحلى بهذه المثالية التي سمع عنها، وحظ من النفس لديها حاضر.
والاستحقاق الانتخابي هو من المفاصل التي يمكن أن تظهر خبايا النفس. نسأل الله الإخلاص والتجرد في العمل.

15- تضخّم كيانات داخل الجماعة
لقد منّ الله على الجماعة في لبنان أن انتشرت مؤسساتها العاملة في مختلف الاختصاصات التربوية والصحية والإغاثية والطلابية والخيرية... الخ على امتداد الساحة اللبنانية، ونمت المشاريع وتشكلت الأقسام واللجان لإدارتها.. هذا فضل من الله وخير، نسأل الله له الدوام. لكن مما يصيب العمل في مَقتل، حين يحدث أن تنمو كيانات داخل الجماعة الواحدة وتتضخّم، سواء كان هذا الكيان مناطقياً أو عملاً متخصصاً في ميدان معين (خيري أو رياضي أو...)، فتبدأ بالتسابق عند الاستحقاق الانتخابي على مواقع القرار أملاً في فرصة تحصيل مكاسب أكثر، للعمل طبعاً. لكن هذا الواقع يهدّد وحدة الصف، ويخلق حالة من العنصرية الحزبية داخل الصف الواحد، فيشتت الجهود ويضيع الأجر. وعلى قيادة الجماعة أن تحرص على ضبط أجنحتها المتخصصة وكياناتها الداخلية، وتنتبه لهذه الظاهرة عند الاستحقاقات الانتخابية.

16- فريق العمل
في النظام الداخلي للجماعة، تمتدّ الدورة التنظيمية لثلاث سنوات، فتجتهد الدوائر والأقسام أن تعطي أفضل ما لديها، وأن تنتقل بالعمل المكلفة فيه خطوات للأمام.. وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود فريق عمل متجانس منسجم أفراده، لا تشغله مناكفات هنا أو هناك. ولذلك، فإن من حق مسؤول الدائرة أو القسم اختيار أعضاء فريقه الذين يقتنع أنهم سيعينونه في مهمته، مع مراعاة اختيار الكفاءات والتخصص. وفي نهاية الدورة التنظيمية ستحاسبه الهيئات المختصة.
ونظرياً، لا يحق لهذه الهيئات أن تحاسب المسؤول إذا تمّ فرض فريق عليه، فالحساب يكون على اختيار الإنسان وليس على ما ألزم به.

17- الفائز والخاسر
لا يغيب عنا أننا أبناء حركة إسلامية، نشأ أبناؤها على قيم ومفاهيم لا تجدها في كثير من الأحزاب العلمانية أو اليسارية. فديمقراطيتهم تعني أنهم يتنافسون على منصب ما، فإن فاز منافس تحوّل إلى "معارضة" ليعرقل عمل الفائز. أما أدبياتنا الإسلامية فهي أن يقبل الخاسر بالنتيجة ويتحوّل جندياً في فريق الفائز، عن رضى وطيب نفس. ومع انتهاء هذا الاستحقاق المرحلي يعود الجميع إلى مؤسساته الدعوية بمختلف اختصاصاتها، ليكون عنصراً إيجابياً في هذه المسيرة المباركة، ويتكامل في عمله مع الآخرين.


أدعو الله تعالى أن يتمّم هذا الاستحقاق على خير، وأن يوفق العاملين في الجماعة لاختيار الأكفأ في مختلف المواقع القيادية، ليتابعوا مسيرة من سبقهم.. والغاية في النهاية هي مرضاة الله عزّ وجلّ.
وختاماً، أسأل الله أن يفيد ما قدّمت، مع شكري الجزيل لكل من تفاعل وناقش وأثنى أو انتقد. والله من وراء القصد.
والسلام عليكم ورحمة الله


بيروت في 17/12/2015م


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق