بقلم: أيمن المصري
تفاعل قسم كبير من اللبنانيين في الأسابيع السابقة مع برنامج التنافس على أجمل صوت للأطفال "#The_voice_kids"، وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي حراكاً بعد كل حلقة، للتعليق على النتائج، أو لإطراء مشاركين تميزوا بخفّة دمهم على المسرح أو حضورهم المميز أو صوتهم الجميل..
وكان لافتاً صدور بعض المواقف السلبية القاسية على مواقع التواصل التي أنكرت على الناس متابعة هذا النوع من البرامج، واعتبرته نوعاً من الميوعة وتخريب أخلاق أطفالنا وإفساد المجتمع، وسأل البعض: كيف سننهض بأمتنا من خلال جيل جلّ اهتمامه الفوز بمسابقة غنائية... إلى ما هنالك من أحكام جرى تعميمها في رفض أساس الفكرة، متأثرين بتجاوزات شرعية في التطبيق هنا أو هناك.
أودّ هنا أن أطرح نقاشاً موضوعياً حول هذا النوع من البرامج وليس برنامج "The voice kids" بالتحديد، راجياً التفاعل بعيداً عن الأحكام المسبقة. فأسأل:
هل من مشكلة شرعية أو أخلاقية في أن تنظم مؤسسة إعلامية (إذاعة أو تلفزيون) مسابقة للأطفال في الإنشاد أو الخطابة أو أيّ مهارة من المهارات؟
بالتأكيد لا، بل على العكس، هذا محبّب ومطلوب لتحفيز الأطفال والناشئة على اكتشاف مواهبهم وتطويرها.
جيد. إذا لم تكن هذه المسابقة في الإنشاد بل في الغناء، إذا كان تنافس الأطفال في أغانٍ وطنية أو طربيّة، دون أن يدخلها كلام يخالف الشرع، كالكفر أو الابتذال أو التشجيع على معصية، هل ثمة مشكلة في هذا؟ لا أظن هذا.. فالأصل في الأشياء الإباحة، ولم تعد الأناشيد الجديدة (بالمصطلح المعروف) بعيدة كثيراً عن بعض الأغاني. لقد بتنا أحياناً نضيع بين الأنشودة والأغنية. ولا ندري حتى الآن ما هو المعيار الذي على أساسه نحدد أن هذه المادة الصوتية التي أمامنا نطلق عليها أنشودة أو أغنية، هل حسب الشخص المغنّي أو مصاحبتها الموسيقى أو الموضوع... الخ! هل تعلمون يا سادة أن ثمة أناشيد أكثر "ميوعة" من أغانٍ؟ وثمة أناشيد يصاحبها إيقاع أكثر من أغانٍ؟ وأن هناك أناشيد لمنشدين إسلاميين تتحدث عن الحب! الفروق بين الأغنية والأنشودة لم تعد شاسعة، وفي هذا إيجابيات وسلبيات، لا مجال للحديث عنها الآن.
نقطة ثانية. إذا رزق الله طفلاً ما صوتاً جميلاً وشارك في مسابقات الغناء لإبراز موهبته، فهل هذا الفعل سيصرفه لزاماً عن هموم الأمة وعن بناء مستقبله وسيحوّله إلى شخص "مايع"؟ أليس الصوت الجميل موهبة من الله كما سرعة البديهة والذاكرة والرسم وليونة الجسد أو قوته؟ الصوت الجميل وقوة الحضور (الكاريزما) نعمة من الله، إذا تم توظيفها في الخير فهي محمودة مأجورة، وإذا استخدمت في الشر فهي مذمومة. فغناء الطفل صاحب الصوت الجميل من حيث المبدأ لا ضير فيه. والتنافس بين الأصوات الجميلة لا حرج فيه، بل هو حراك إنساني مجتمعيّ محمود، له آثاره الإيجابية في المجتمع إذا سلم من المخالفات الشرعية.
ثالثاً. من يقول إن ثمة أطفالاً برزوا في حفظ القرآن الكريم، وهم أحق أن يكرّموا. نعم، هؤلاء الأتقياء الأنقياء يجب أن يكرّموا، ومؤسساتنا مقصّرة في هذا، لكن إذا نحن قصّرنا في تكريم حفظة القرآن الكريم فهذا لا يجيز لنا أن نمنع الناس من الاحتفاء بنجاح في مواهب أو مهارات أخرى. وأرجو أن تكون هذه المناسبة حافزاً لمؤسساتنا بتكريم حفظة القرآن الكريم، لكنهم بالتأكيد لن يأخذوا الصدى الذي يناله أيّ فائز على فضائية لها جمهورها الواسع، ولديها إمكانات تقنية ومالية أكبر بكثير مما لدى منابرنا الإعلامية.
رابعاً. دعونا لا نثقل على عموم الناس فنطلب منهم العزيمة التي نلزم أنفسنا بها. الناس تحتاج للفرحة، للبهجة في هذا الزمن الكئيب الذي نعيش فيه.. فلا يمكن أن نمنعهم الفرح وننغّص عليهم بهجتهم العابرة لنظريات تربوية، نحن أنفسنا لا نلتزمها مع أطفالنا في بيوتنا.
أخيراً، لم أرد من خلال ما كتبت الدفاع عن برنامج معين، لكن الإنصاف يقتضي أن لا نعمّم في أحكامنا فنرفض بالمطلق أفكاراً أو مشاريع هي في الأصل إيجابية، نرفضها لتجاوزات شرعية تخللت التنفيذ أو لأن الجهة المنفذة هي محطة إعلامية طابع برامجها غير منضبط. يا ليتنا نملك الإمكانات التي تتيح لنا تنفيذ مسابقة للأطفال كهذه، وتأخذ هذا الحجم من تفاعل الجمهور معها.
لقد بات الإعلام في عصرنا الحاضر يركز على وظيفة الترفيه (الترويح بالمصطلح الشرعي)، فهو الذي يجذب الجمهور وسط هذا الكمّ الكبير من الوسائط المنافسة، لاسيما وسائل التواصل الاجتماعي. وعلينا كمسلمين – أو إسلاميين نحمل مشروعاً لعموم الناس – أن نراعي هذه الاحتياجات لدى الجمهور ولا ننكرها.
الترفيه هو أحد وظائف الإعلام، إلى جانب التوعية والإخبار والتنمية... الخ، وعلينا أن نبدع عند اتصالنا مع الجمهور العام في ابتكار أشكال للترفيه لا تخالف الشرع وتكون جاذبة له.. ولعلّ منها برامج غناء الأطفال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق