بقلم: أيمن المصري
ارتبطت مناسبة رأس السنة الميلادية بظاهرة توقعات المنجّمين الذين تسابقت الفضائيات على إبراز إطلالاتهم على شاشاتها، وانتظرها الناس - جهلاً - لـ "معرفة" ما تحمل قادمات الأيام، على الصعيد الأمني والسياسي والمعيشي.
ومع التأكيد على حرمة تصديق المنجّمين، وعدم جواز الاستماع إلى خرافاتهم حتى من باب التسلية.. لكني رغبت أن أعرض بعض التوقعات المتعلقة بالحركة الإسلاميّة، ليس بناءً على "حركة النجوم وتخرّصات المنجّمين" بل من منطلق استقراء الواقع، وتحليل مساره ثم توقّع نتائجه.
ولعل أهم ما يدفعنا لتوقّع منعطفات حركيّة، هو تداعيات ربيع الثورات العربية وانعكاسها على ثقافة الشعوب، ودور الحركات الإسلامية في تلك الثورات.
وأبدأ بتوقعاتي، سائلاً الله أن يحدث بعضها، وأن يجنبنا البعض الآخر:
- كان من نتائج ربيع الثورات أن وصلت الحركة الإسلامية في بعض الأقطار إلى سدّة الحكم، وبذلك تكون قد انتقلت الحركة من محور المعارضة إلى السلطة، ومن الشعارات إلى صلاحيات التطبيق، لاسيما في تونس ومصر، وقريباً سوريا.. وستكتشف الحركة الإسلامية في هذه الأقطار أن بعض الشعارات التي كانت ترفعها سابقاً غير قابلة للتطبيق، وبعض المطالبات التي كانت توجّهها للأنظمة هي تعجيزية.
- ستعيد المرجعيات الفكرية والشرعية النظر في العديد من أحكام السياسة الشرعية، وستنجح الحركة في استيلاد تأصيلات شرعية مرحلية لممارسات سياسية واقتصادية كانت تنكرها على الأنظمة "العميلة".. وسيكون الأداء في السياسة الخارجية أكثر مرونة مع مؤسسات المجتمع الدولي.
- ستتوصل السلطة الإسلامية في بعض مفاصل المواجهة مع شغب المعارضة إلى قناعة أن "القمع" هو العلاج الأنجع في التعاطي مع تلك الحالات، وأن شعار حماية الحريات والتعبير عن الرأي قد يكون عنوان ضعف للسلطة.
- سنسمع من الأنظمة الإسلامية الجديدة مصطلحات كنا نسمعها من وزراء الداخلية والعدل في الأنظمة البائدة، مثل: مؤامرة، رهانات خارجية، تمويل خارجي لإسقاط نظام الحكم، المصلحة القومية…
- ستعيش التجربة الإسلامية في الحكم مرحلة تخبّط بين الاستئثار والانفتاح.. وصولاً إلى قناعة بضرورة المشاركة وعدم إمكانية تجاوز مكوّنات هامة في البلد حتى لو خالفها الرأي، متنازلة عن مواقع عديدة لها، حفاظاً على المصلحة العامة.
- ستكلف قيادة الحركة الإسلامية لجنة شرعية وتربوية متخصصة لوضع منهاج "أسريّ" جديد، يقارب بين منهجية الإمام الشهيد حسن البنا في الإصلاح وبين تجربة ثورات الربيع العربي.
- بعد ضمور الدور المصري بسبب الظروف السياسيّة السابقة، سوف تعود مصر لريادة مشروع الإسلام السياسي، وذلك بعد أن استفادت التجربة الإسلامية التركية من غياب مصر، وستستأنف الجماعة في مصر ممارسة أبوّتها ورعايتها لفروع الحركة الإسلامية في العالم.
- بعد حالات التقارب في المرحلة السابقة، ستشهد الساحة الثقافية حالة تباعد بين التيارين الإسلامي والقومي، وسيجهد العلمانيون في تصيّد سقطات التجربة الإسلامية.
- سوف تشكّل الحالة السلفية إحراجاً للسلطة الإسلامية أمام الرأي العام في العديد من الملفات، وستشهد المحافل السياسية والثقافية حالات تجاذب بين الفريقين.
- سوف ينشغل الجسم التنظيمي للحركة الإسلامية في أقطار الثورات بمساندة الإدارة السياسية والدفاع عنها، ما سينعكس ضعفاً في التركيز على الأداء الدعوي والبناء الداخلي.
- سوف تبرز حالات شغب تنظيمي في صفوف شباب الحركة الإسلامية حديثي العهد، تنادي بتغيير النظم الداخلية، وتطالب بصلاحيات أكبر، وبحقها في الأخذ برأيها في كل شأن من شؤون الجماعة، مهما كبر.
- نتيجة لهذا الحراك، سيتراجع - قسراً - دور "الحرس القديم" في تنظيمات الحركة الإسلامية، ما قد يفتح الباب لممارسات متهوّرة، وسيشهد جسم الحركة ظواهر عديدة، مثل تضاؤل التربية وهشاشة التنظيم، وانتشار المشاريع الخاصة، والاختراقات الأمنيّة.
- مع نهايات العام، ستكتشف شريحة كبيرة في صفوف الشباب "الثائرين" أنها تسرّعت بشعاراتها التغييرية، وأنها ظلمت رجالات الحركة الكبار وأساءت إليهم .. دون التنازل عن سعيها للتطوير والتحديث في النظم والمناهج.. وهذا ما ستتقبله القيادات برحابة صدر، وتسعى للتفاعل معه بإيجابية.. وتعود هذه الرياح "التغييرية" لتأخذ حجمها الإصلاحي الطبيعي، وتتابع الحركة أداءها، مستفيدة من اندفاع الشباب وحماستهم للتطوير، ومستندة إلى الاستقرار الذي يحققه الشيوخ وحكمتهم.
وكل عام وأنتم بخير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق