بقلم: أيمن المصري
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، وبعد..
الزملاء العاملين في الحقل الإعلامي في ساحتنا الإسلامية في لبنان، أضع بين أيديكم هذا الجهد الشخصي الذي خلصت إليه من خلال رصدي لأداء المكاتب الإعلامية في ساحتنا الإسلامية في لبنان، ومن خلال مشاركتي في هذا العمل لفترة معينة. ويهمني التنويه إلى أن هذه المادة ليست دراسة أكاديمية حول أساسيات العمل الإعلامي في الجمعيات، فالمكتبة الإعلامية غنيّة بهذه الدراسات والعلوم.. بل هي مادة نقدية وملاحظات في أداء المكاتب الإعلامية، أطرحها على مدى عدة حلقات.
بعض هذه الملاحظات يندرج في الشكل وبعضها في المضمون.. أعرضها هنا، مساهمة في تسديد تجربتنا الإعلامية. ولعلّ الله يقيّض من يكمل الجهد، فيعدّ دراسة متخصصة حول قواعد وأصول عمل المكاتب الإعلامية في الساحة الإسلامية في لبنان.
ولا بدّ من الإشارة إلى الملاحظات التالية:
* اعتمدت مصطلح "الهيئة" ويندرج تحتها: التنظيم – الجمعية – المؤسسة - الهيئة... الإسلامية.
* ليس كل ما ورد في هذه المادة يعني بالضرورة جميع الهيئات الإسلامية العاملة في لبنان، فبعض البنود خاصة بحسب مجال عمل كل تنظيم أو جمعية (إغاثي – تربوي – سياسي...).
* ترتيب المحاور والبنود الفرعية ليس مستنداً إلى الأهمية أو الأولوية.
* قمت بالتركيز على الثغرات فقط، وهذا لا يعني بحال نفي الخير الكبير والإنجازات الإعلامية لساحتنا الإسلامية اللبنانية.
* لا أدّعي أنني مررت على مختلف مفاصل العمل الإعلامي لساحتنا، بل هي لفتات متفرقة أرجو أن يبنى عليها. وقد اقترح بعض الزملاء إضافة عناوين لم يتم التطرق إليها، لعل الله يوفقنا لاستدراك النقص لاحقاً.
أسأل الله أن ينفع بهذا الجهد، وأشكر كل من ساهم في تسديده. متمنّياً على العاملين والمهتمين في هذا الميدان إسداء النصح والإفادة بالملاحظات.. وصولاً إلى إخراج دراسة مؤصّلة يمكن الرجوع إليها.
في مركزيّة العمل الإعلامي
1- لقد انتشر العمل الإسلامي على الساحة اللبنانية من عكار حتى العرقوب، وبات لبعض الهيئات حضور قويّ في المحافظات اللبنانية، ومن مستلزمات تعزيز هذا الحضور واستثماره العمل الإعلامي. ومعلوم أن الأدوات الإعلامية لاسيما وسائل الاتصال قد اختزلت المسافات الجغرافية وألغت الحدود بين الدول والقارات، فما بالنا بالمدن؟ هذا الواقع يدعونا لتوحيد الجهود الداخلية واعتماد مركزية العمل الإعلامي ووضع رؤية إعلامية موحّدة يجري العمل على أساسها بين مكاتب المناطق اللبنانية وأيضاً بين "الهيئة" وواجهات العمل، فالجمهور يقارن الإنتاج الإعلامي لـ "الهيئة" مع أدوات ضخمة ومركزية لأحزاب ومؤسسات أخرى.. لكننا نفاجأ بوجود كيانات إعلامية مناطقية مستقلة للهيئة الواحدة. وهذا غير طبيعي.
2- عندما تتعدد صفحات التواصل الاجتماعي (لاسيما الفايسبوك) باسم "الهيئة" نفسها، وتغرّد كل صفحة على هواها دون أيّ نظام يضبط عملها.. وعندما تعتمد كل منطقة شعاراً مختلفاً (Slogan) في حملة معيّنة (كذكرى المولد النبوي أو الهجرة)، وعندما يتعدّد شكل شعار "الهيئة" (Logo).. وعندما تتوالد المبادرات الإعلامية الفردية باسم "الهيئة"... هذا كله يدلّل على غياب مركزية العمل الإعلامي، ويصوّر "الهيئة" وكأنها "دكاكين" متفرقة.
3- عند تعميم الأنشطة الخاصة بالأقسام أو الفروع المناطقية على وسائل الإعلام. الوسيلة الإعلامية يهمها أن تتعاطى مع مكتب إعلامي واحد لا جهات متعددة لـ "الهيئة". الآلية الأفضل هي أن ترسل تغطيات الأنشطة المناطقية إلى مكتب إعلامي مركزي، يتقن أصول التواصل مع وسائل الإعلام، ويجيد الصياغة الخبرية من حيث الشكل والمضمون، وهو الذي يقوم بتعميمها. وسيأتي الحديث لاحقاً عن قواعد التواصل مع وسائل الإعلام.
4- حين تطلب وسيلة إعلامية إجراء مقابلة أو إعداد تقرير ما عن مشروع أطلقه أحد أقسام "الهيئة"، من المهم أن يكون تواصل الوسيلة الإعلامية مع المكتب الإعلامي المركزي الذي يرتب اللقاء أو يحيل هذه الوسيلة إلى الشخص أو الجهة المناسبة في "الهيئة"، لضمان إشراف المكتب الإعلامي على أيّ حراك إعلامي لـ "الهيئة" أو أحد أقسامها، فضلاً عن الحيلولة دون فتح خطوط خاصة للأقسام الداخلية مع وسائل الإعلام.
5- قد يكلَّف مسؤول في موقع عام بكتابة بيان ما، فيقوم هو نفسه – بعد اعتماد البيان - بنشره عبر عنوانه الشخصي (البريد الإلكتروني أو الواتسآب). وفي هذا شخصنة مذمومة، فالمسؤول هنا يمثل بتصريحه "الهيئة" ولا يمثل نفسه، ثم إن المتلقي لن يستقبل المادة بالتجرد الطبيعي لو كان المرسل هو كاتب السطور، فضلاً عن ضرب صورة العمل المؤسسي لهذه "الهيئة". الأصل في تعميم البيان أو التصريح أن يكون عبر المكتب الإعلامي الرسمي، ولا يليق بكاتب البيان أن يقوم هو بنشره.
6- كما في أيّ هيئة تتعاطى الشأن العام (سياسي، اجتماعي...) يتولى فيها موقع الناطق الرسمي (أو الموقع السياسي) مسؤول مركزي على مستوى لبنان، وينضوي تحته مسؤولون محليون على مستوى المحافظات اللبنانية. يتحمّس بعض المسؤولين المحليين فيصرّح أو يصدر بياناً حول شأن مركزي لبناني (انتخابات رئاسة الجمهورية مثلاً) أو في ملف عربي، فيما الأصل أن موقعه لا يخوّله ذلك، بل هو مناط به تناول قضايا منطقته فقط أو الملف المسؤول عنه بشكل مباشر، وتترك الملفات المركزية للمسؤول المركزي أو الناطق الرسمي أو القيادة العليا. فإن وقع هذا الخطأ من المسؤول المحلي، على المسؤول الإعلامي تدارك الأمر قبل تعميم البيان.
مسؤول المكتب الإعلامي
1- يغيب عن بعض الهيئات الفرق بين مسؤول المكتب الإعلامي الذي يحسن إدارة ملفه تخطيطاً وتنفيذاً، وبين الناطق الإعلامي (في الشأن العام) الذي يتطلب موقعه صفات أخرى (ذهنية وحوارية وشكلية عديدة) لا يشترط وجودها حكماً في مسؤول الملف الإعلامي. وبالتالي، لا يشترط الجمع بينهما، بل الأفضل الفصل بين المسؤوليتين.
2- تكلف هيئة إسلامية أحد أفرادها ليتولى مسؤولية المكتب الإعلامي (أو العلاقات الإعلامية)، ومعروف أن العمل الإعلامي في ساحة منفتحة ومتنوعة كلبنان يتطلب اعتماد مدرسة التيسير في الأحكام الشرعية والفتاوى، فهو سيتواصل مع صحفيين وصحفيات ووسائل إعلام من اتجاهات دينية – أو لا دينية - متعددة، وسيمرّ بمواقف يكون فيها بعض الشبهة، سيطالع مواقع إلكترونية متنوّعة كثيرة خلال بحثه، سيتابع أقنية تلفزيونية كثيرة، وفيها ما فيها... هذا كله سيكون مربكاً لو كان من يتولى العمل في المكتب أخ – أو شيخ - يلتزم مدرسة العزيمة ودرء الشبهات، فضلاً عن أن لغته ومفرداته الشرعية ستغلبه عند التعاطي مع الإعلام أو عند صياغة الخبر أو البيان.
3- وتجنباً لهذه الإشكالية، تنتدب "الهيئة" صحفياً محترفاً، لكن من خارج صفها، ولما كان مسؤول المكتب الإعلامي هو واجهة "الهيئة"، يعبّر عن أفكارها عند تواصله مع وسائل الإعلام، لذلك يستحسن أن يكون منخرطاً في دورة عمل هذه "الهيئة" (Involved)، ولعل من الضرورة أيضاً أن يكون مشاركاً في الدائرة الإعلامية التنظيمية، فيكون مطلعاً على الأهداف والمحاذير والعوائق... في الملف المطروح.
3- وتجنباً لهذه الإشكالية، تنتدب "الهيئة" صحفياً محترفاً، لكن من خارج صفها، ولما كان مسؤول المكتب الإعلامي هو واجهة "الهيئة"، يعبّر عن أفكارها عند تواصله مع وسائل الإعلام، لذلك يستحسن أن يكون منخرطاً في دورة عمل هذه "الهيئة" (Involved)، ولعل من الضرورة أيضاً أن يكون مشاركاً في الدائرة الإعلامية التنظيمية، فيكون مطلعاً على الأهداف والمحاذير والعوائق... في الملف المطروح.
4- قد يجري التعميم على المسؤولين السياسيين في "الهيئة" التزام موقف معين أو لربما الامتناع عن التصريح في ملف ما. لكن الصحفي بفضوله المعروف لن يتوقف عند هذا الحدّ، سيقوم بالتواصل مع أشخاص غير رسميين ضمن "الهيئة" لتقصّي المعلومات أو الأجواء. فيقوم الصحفي بالتواصل مع المسؤول الإعلامي في "الهيئة" فيسأله من باب الدردشة، وهنا يقع الأخ (غير المسموح له بالتصريح) في فخّ النجومية، فيقدم معلومات لهذا الصحفي، أملاً في ظهور اسمه، أو على الأقل شعوراً منه أنه بات مرجعاً من قبل الصحفيين. لا تخجل من رفض التصريح، يمكن لمسؤول المكتب الإعلامي أن يعد الصحفي بتأمين المعلومة، أو الاعتذار عن التصريح بالمطلق.
الظهور الإعلامي
1- قد ينجح مسؤول أو أحد رموز "الهيئة" في الإطلالة على شاشة فضائية مهمة خلال نشرة إخبارية (الجزيرة مثلاً)، فتعطيه ثلاث دقائق ليعرض فكرته ضمن إجابات على أسئلة المذيع. فإذا به يبدأ كلامه بـ: "بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم"، وقد يكمل فيشكر القناة على استضافته. وهنا يكون قد خسر حوالي ثلث الوقت المخصص له. الوقت هنا ثمين جداً علينا اقتناص كل ثانية فيه. لكل مقام مقال.
2- تستضيف وسيلة إعلامية ممثل "الهيئة" ليتحدث عن مشروع أطلقته، فإذا به يستغلّ فرصة الإطلالة ليقوم بالدعاية لمشاريع وأنشطة أخرى لـ "الهيئة" من باب "الشطارة"، وقد فات أخانا أن المستمع سينتبه لهذه "الشطارة" ولن يحترمها، فضلاً عن مُحاوره أو إدارة الوسيلة الإعلامية.
3- ومتابعة لـ "الشطارة المذمومة"، قد يجدها الضيف فرصة ليقدّم صورة مثالية عن "الهيئة" وأنشطتها والتحضيرات لهذه الفعالية، فكل خطوة تم تكليف متخصصين لدراستها والإشراف على تنفيذها، ومن يقدّم الدورة أو المحاضرة هو كذا وكذا... الخ. المستمع/المشاهد لا يتقبل مدح الذات، وعندما تكون موضوعياً ومتوازناً سيحترمك المشاهد ويتفاعل معك بشكل أفضل.
4- والعكس أيضاً غير سليم، فقد يقع الضيف (ممثل الهيئة) في فخّ التواضع في غير محله، فعند عرض مشروعه يقلّل من قيمته وتميّزه، لأن "أعمالنا هي لله وليس ليرى الناس ما نفعل، ونشأنا على التجرد وتجنب الغرور". وهنا تأكيد مرة ثانية على أن مسؤول اللجنة المنظمة للنشاط لا يشترط حكماً أن يكون هو نفسه من يتحدث عن النشاط لوسائل الإعلام، فلكل مجال مهاراته. يمكن أن تعرض النشاط نفسه بدون زيادة أو "تبهير"، لكن طريقة العرض توصل رسائل إلى المتلقّي، فيحترم "الهيئة" وتشدّه أنشطتها، أو تصغر في عينه.
5- من الملاحظ غياب المشاركة النسائية في اللقاءات الإعلامية، حتى في الملفات النسائية المتخصصة (العنف ضدّ المرأة – قانون الأسرة...). فنجد الرجال من ساحتنا الإسلامية هم من يتصدى عبر وسائل الإعلام لهذه الملفات. وهذه ثغرة يعزى سببها بالدرجة الأولى إلى غياب الرموز النسائية في ساحتنا الإسلامية قبل الحديث عن الإعلام. وأحسب أن الحركة الإسلامية لم تنجح في ترجمة شعاراتها عن دور المرأة وموقعها في المجتمع على أرض الواقع، ولا زالت بعض الموروثات تحكم تعاطيها مع هذا الملف.. أو فلتتواضع في شعاراتها حول دور المرأة في العمل الإسلامي.
العصبيّة الداخليّة
تقع بعض الهيئات بمرض العصبية الداخلية، حيث تتنافس الأقسام أو الدوائر الداخلية على إبراز اسمها في الأنشطة على حساب اسم "الهيئة"، مع أن هذه التقسيمات هي شأن إداري داخلي لتنظيم العمل ولا يشترط إعلانه للجمهور. وطبعاً أقصد هنا الأقسام وليس الواجهات المعتمدة إطاراً رسمياً للعمل. فنجد مثلاً إعلاناً يقول: "يسرّ القسم الدعوي أو... في جمعية كذا دعوتكم لكذا"، وخلال المحاضرة تثبّت خلف المنصة لافتة دعائية لهذا القسم. أو يجري توقيع عمل فنيّ (بوستر أو برومو) باسم "القسم الإعلامي في..."، علماً أن واجب هذا القسم الإعلامي هو توفير الحضور لاسم "الهيئة" لدى الرأي العام وليس اسم القسم. فننتقل هنا من مرض الحزبية في المجتمع إلى العصبية الحزبية داخل الحزب الواحد. وهذا ما يضعف مفهوم الانتماء إلى "الهيئة" ويكرّس الاصطفافات الداخلية الضيّقة. علينا أن نعيَ أن الجمهور المستهدف لا تعنيه هذه التقسيمات الإدارية الداخلية، بل – في الغالب - هو ينفر منها، وهو حين يلبّي الدعوة للمشاركة في نشاط فإنما للمؤسسة الأم وليس قسم فيها. ويحضرني في هذا السياق خبر قرأته منذ فترة، جاء فيه: "شاركت جمعية (...) في منطقة (...) في دورة تدريبية نظمها مركز (...) بالتعاون مع (...)، قدمها الدكتور (...) في مركز (...)". لننظر هنا عدد الجهات التي حرصت على إبراز اسمها، في خبر طوله سطراً ونصف. إنها عقدة "الظهور الإعلامي" أو عقدة "إثبات الإنجازات". فأمّا العقدة الأولى فهي محلولة حيث إن نجاح اسم المؤسسة الأم إعلامياً ينعكس تلقائياً نجاحاً للقسم، وأما حلّ العقدة الثانية فمن خلال التقارير التي تُرفع من القسم إلى إدارة مؤسسته، حيث المكان الصحيح لـ "إثبات الإنجازات".
(يتبع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق