11/07/2018

المسؤولية الاجتماعية والوطنية للإعلام الديني

نص المداخلة التي ألقيتها في ندوة مؤسسة أديان، بعنوان "المسؤولية الاجتماعية والوطنية للإعلام الديني" (والحضور من ديانات وطوائف متعددة):

قبل بدء الحديث عن المسؤولية الاجتماعية أو الوطنية للإعلام الديني، لا بد من القول إنه لا يمكن للإعلام الديني أن ينجح في أداء وظائفه في المجتمع، إلا أن يكون متحرراً من أمرين اثنين:
التبعية السياسية، والحاجة المالية.

تعلمنا في الجامعة بدراسة الإعلام، أن إعداد محتوى الوسيلة الإعلامية أو ما نسميه بعملية البرمجة الإذاعية أو التلفزيونية، ينطلق من عدة عناصر:
1- دفتر الشروط النموذجي، وهو القانون الذي يضبط عمل وسائل الإعلام.
2- الأهداف التي تريدها الجهة المالكة من المؤسسة الاعلامية.
3- القدرة المالية للمؤسسة الإعلامية.

بالتالي، حين تكون الوسيلة الإعلامية مملوكة من جهة سياسية معينة، فمن الطبيعي عندها أن يتأثر أداء الوسيلة الإعلامية وينحاز لخدمة مشروع تلك الجهة السياسية، الأمر الذي يدفعها أحياناً لتجاوز المعايير الأخلاقية أو المهنية المطلوبة. ومعلوم أن أحد أسباب التحريض الذي يمارسه إعلامنا اللبناني، أنه مملوك من جهات حزبية أو سياسية. 

كذلك الأمر بالنسبة للتمويل. إذا كانت المؤسسة الإعلامية الدينية لا تعيش اكتفاءً يغطي مصاريفها، هذا الأمر سيفرض عليها أحياناً التخفف من التزامها بالمسؤولية الاجتماعية والوطنية في أدائها الإعلامي لمصلحة معايير أخرى كـ "الرايتينغ" أو ما يريده الجمهور أكثر، كي تحقق نسبة مشاهدة أو سماع أكثر، فمدخول إعلاني أكتر..

الآن أنتقل لعرض عناوين تعزز المسؤولية الاجتماعية والوطنية للإعلام الديني:

أولاً، على الوسيلة الإعلامية الدينية أن تتجنب طرح المسائل الدينية الخلافية، فلا تتناول ما يثير النعرات الدينية أو الطائفية، أو يحرض فئة على فئة أو طائفة على طائفة.
وهنا نؤكد، أن المشكلة ليست في بث تعاليم الدين، فالأديان هي في الأصل دعوة للتعايش مع الآخر، سواء كان مسلماً أو مسيحياً.. إنما مشكلتنا في بعض الخطاب الإعلامي الديني التصادمي، الرافض للآخر، أو المشوّه للآخر.
المشكلة ليست في استضافة رجال دين من "الآخر"، إنما في من نختار من رجال الدين للحوار على المنابر الإعلامية.

ثانياً، وبعيداً عن المجاملات، على الإعلام الديني أن يكون واقعياً متصالحاً مع نفسه، بمعنى، ليس مطلوباً من الإعلام الديني في لبنان أن يتحوّل إلى إعلام علماني، فيقدم لجمهوره خطاباً دينياً لا هوية له، لإثبات انفتاحه على الآخر..
فلتمارس كل وسيلة إعلامية تعاليمها الدينية وتبث رسالتها إلى جمهورها.
إذا كنا نتحدث عن إعلام ديني، فمن وظائف هذا الإعلام التوعية والتثقيف. فليمارس الإعلام الديني المسلم وظيفته التثقيفية والتوعوية لجمهوره المسلم، وليتوجه الإعلام المسيحي لجمهوره المسيحي. هذا هو الأصل.
ليس مطلوباً من قناة مريم (المسيحية) أن تبث أناشيد نبوية في ذكرى المولد النبوي، وليس مطلوباً من إذاعة الفجر أن تبث ترانيم دينية في عيد جميع القديسين عند إخواننا المسيحيين.
نحن نعترف باختلافنا الديني ونحترم خصوصيات بعضنا ونتقبلها. هذا يكفي.
طبعاً مع تركيزنا على الخطاب الإنساني في رسالتنا الإعلامية، ومع حرصنا على عدم تغييب "الآخر" في المساحات المشتركة.

ثالثاً، وانطلاقاً من احترام خصوصيات "الآخر" في بلد متنوّع متعدّد كلبنان، أن لا يمارس الإعلام الديني عملية "التبشير" لاستقطاب "الجمهور الديني الآخر"، فهذا بلا شك سيستفزّ "الآخر" الديني أو الطائفي، وسيؤسس لحالة شحن وتنازع، قد يساهم في تأجيج الخلاف الديني في المجتمع اللبناني.

رابعاً، لا بد من التأكيد في رسالتنا الإعلامية على أن الدين لا ينحصر بالأمور التعبدية فقط، علينا أن نُخرج المستمع أو المشاهد من صوامع العبادة إلى فضاء الحياة الرحبة، فلقد خلقنا الله تعالى لنعمر الأرض وننشر الخير.. فنحن ندعو في إعلامنا إلى أن نعيش الدين في مختلف شؤون حياتنا، وليس في المسجد أو الكنيسة فقط.
بمعنى، لا يمكن لنا أن نعيش هذه الحالة من الازدواجية في حياتنا اليومية، فنتابع الإعلام الديني في الشؤون التعبدية والروحية فقط، ونتحول إلى وسائل إعلام أخرى (موجّهة) في بقية شؤون حياتنا، من السياسة والعمل العام إلى المعاملات المالية إلى الترفيه إلى الثقافة... الخ.
ليس مطلوباً من الإعلام الديني أن ينشئ جيلاً من رجال الدين أو الرهبان، بل أن ينتج المواطن الصالح النافع لوطنه ومجتمعه.
مطلوب من الإعلام الديني أن يعزز ثقافة الاندماج الإيجابي في المجتمع، ومواجهة الفساد الأخلاقي والسياسي وغيره، لا أن يصنع مواطناً مسالماً يرتضي الفساد والظلم الواقع عليه.

خامساً، وأنطلق من سؤال: من الذي يتابع الوسيلة الإعلامية الدينية، صحيفة أو تلفزيون أو إذاعة؟
برأيي - في الغالب - هو أحد شخصين: إما الإنسان المؤمن المتدين، فهو يجد حاجته الروحية في هذه الوسيلة الإعلامية، أو هو من شخص أوغل في المعاصي، وأراد التوبة والتقرب إلى الله، فيتجه ليسمع كلاماً يشعره بالراحة والسكينة.
نسأل هنا: كم يشكل هؤلاء في المجتمع؟ طبعاً نسبة ليست كبيرة.
لقد تحدثت الدراسات مؤخراً عن انصراف الناس عن الإعلام التقليدي، والديني أكثر. هذا يفرض علينا تحدياً يتمثل في كيفية جذب المشاهد أو المستمع، وكيف نعمل على توسيع دائرة المتابعين.
أقول هالكلام لأصل إلى نقطة مهمة في الخطاب الإعلامي الديني وهي: ضرورة أن لا يغيب الترفيه عن المحتوى الإعلامي في مؤسساتنا الإعلامية الدينية. نخطئ حين نحصر الإعلام الديني بالوعظ والتوجيه والتزكية الروحية فقط. لقد أثبت الدراسات أن من يشغل الراديو هو بالدرجة الأولى يطلب الترفيه، وتعلمون بالتأكيد أن أكثر البرامج متابعة على الفضائيات هي البرامج الترفيهية.

أختم بمثال صغير من تجربتنا في إذاعة الفجر، عن دور الإعلام بتغيير القناعات وتوجيه الرأي العام.
منذ أكثر من عشر سنوات، كانت منتشرة في ساحتنا الإسلامية بعض الأفكار السلبية، نشأت بسبب ظروف معينة مثل الظلم اللي شهدته هذه الساحة خلال فترة الوجود السوري في لبنان، أو بسبب فهم خاطئ لنظرة الإسلام لعناوين معينة. من هذه الإشكاليات الفكرية مفهوم المواطنة والانتماء لبلدنا لبنان. كان البعض يشعر بخصومة بينه وبين المؤسسات الرسمية للدولة، كالجيش اللبناني أو أيّ جهاز رسمي بالدولة. وثمة شريحة كانت تعتقد أن انتماءنا للأمة الإسلامية يلغي انتماءنا للوطن.. هذه الأفكار كانت تترجم بشكل عملي - مثلاً - برفض رفع العلم اللبناني أو عدم الوقوف للنشيد الوطني في المناسبات.

مع الوقت، تطور الخطاب الدعوي للجمعيات الإسلامية، ونضجت تجربتهم في العمل العام أكثر بفعل الانفتاح على المجتمع والتواصل مع الآخر.
لكن هذه المفاهيم الخاطئة اللي كانت عند الجمهور، كيف لنا أن نغيرها؟
هنا تلعب الوسيلة الإعلامية – إلى جانب جهات أخرى – دوراً مهماً في تغيير القناعات.

اشتغلنا في إذاعة الفجر على تعزيز الانتماء الوطني عند الجمهور، من خلال:
1- مواكبة المناسبات الوطنية اللبنانية، مثل عيد الجيش اللبناني وعيد الاستقلال وغيره.
2- استضافة شخصيات وطنية لبنانية، عسكرية أو رسمية.
3- بث النشيد الوطني اللبناني والأغاني الوطنية اللبنانية.
4- تخصيص برامج حوارية شرعية لطرح إشكالية مفهوم المواطنة والانتماء للأمة الإسلامية..
بمثل هذا المسار الإعلامي وهذه السلة من القوالب الإذاعية، نكون قد ساهمنا في تعديل قناعات لها أثر سلبي في المجتمع.

أيمن المصري

بيروت 7\11\2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق