1/28/2019

تحدّيات أمام قيادة الجماعة الإسلامية في ولايتها الثانية


بقلم: أيمن المصري 

لم تكن سهلة على الجماعة الإسلامية في لبنان عملية الانتقال من مرحلة قيادة المؤسّس إلى قيادة المؤسسات، فمع انتهاء الولاية الثانية للأمين العام السابق للجماعة الأستاذ إبراهيم المصري عام 2015، وهو الذي كان يشكّل الركن الثالث والأخير في جيل المؤسّسين، بعد الراحلَين الدكتور فتحي يكن والشيخ فيصل مولوي رحمهما الله.. فقدَ موقع القيادة في الجماعة ميزة خاصة كان يتمتع بها الأمناء المؤسّسون، الذين يختزنون تاريخاً حركياً عريقاً ورصيداً كبيراً في الداخل والخارج، حيث انتقل موقع القيادة (الأمانة العامة) إلى جيل "التابعين"، على فضلهم وعطائهم. ومهما تحدثنا عن مؤسسيّة الجماعة، تبقى للشخصيات المؤسّسة قيمتها الاعتبارية الجامعة، بحيث تقبل القواعد منها ما لا ترضاه من غيرهم. 

أمام سلبيات غياب هذه الميزة في موقع القيادة، ثمة إيجابيات لا بدّ من تقديرها. فالجماعة الإسلامية في لبنان تقدّم نفسها تنظيماً مؤسسياً يقوم على نظم ومؤسسات قيادية، ولطالما رفعت شعار "لا لشخص قد عملنا". وبالتالي فإن عمل الجماعة بإدارة نظام داخلي وقيادة مؤسسات قرار هو الشكل الطبيعي والسليم لعمل الأحزاب، وإذا وجد خلل في بعض النظم يجري تعديله لتخدم الأهداف الموضوعة، بما يتماهى مع مقتضيات المرحلة. والإيجابية الأكبر التي يمكن تسجيلها هي التزام الجماعة – كحزب لبنانيّ – بمبدأ تداول السلطة، وهذا ما نراه غائباً لدى معظم الأحزاب اللبنانية. 

وفيما يرى البعض أن آلام المخاض الانتقالي، كانت ستصيب العهد تحت أيّ قيادة كان، دون أن ننسى أثر التحديات الخارجية سياسياً ومالياً، فإن الأستاذ #عزام_الأيوبي وقد تمّ تجديد ولايته لدورة ثانية، تنتظره ملفات أساسية لا بدّ من معالجتها في المرحلة القادمة: 

أولاً - لقد كان من أبرز إنجازات عهد الأستاذ الأيوبي في ولايته السابقة مؤتمر "رؤية وطن" الذي أطلّت فيه الجماعة على اللبنانيين بوثيقة سياسيّة جديدة، في مؤتمر علنيّ عام للمرة الأولى، وأعلنت فيه الجماعة على لسان أمينها العام أنها "تفتح مرحلة جديدة من تاريخها، ستكون لها ملامحها الخاصة". ودعا فيه الأيوبي إلى النأي بالنفس عما يجري في المحيط، وإلى تعزيز مفهوم المواطنة في مناهج الجماعة والاندماج بالمجتمع اللبناني أكثر.. لكن المراقب يلاحظ أن هذه الرؤية لم تترجم عملياً في أقسام الجماعة ووعي أفرادها، حيث يلحظ المراقب لأداء الجماعة تخبّطاً بين ثقافتين: التشبث بأدبيات الماضي والتقوقع ضمن الساحة الإسلامية، وتيار آخر يدعو إلى تجاوز ثقافة المحنة وإلى الانفتاح على المجتمع وقواه بمختلف توجّهاتها. ولعلّ قيادة الجماعة معنيّة بتنفيذ خطوات عملية لتنزيل ثقافة "رؤية وطن" على قواعدها، وترجمة هذه الرؤية عملياً في مؤسسات العمل العام، لاسيما السياسيّة والإعلاميّة والبلدية. 

ثانياً – رأب التصدّع الداخلي الذي نتج عن الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في 6 أيار 2018، حيث خسرت الجماعة مقعدها النيابي، ما ولّد إحباطاً داخلياً، فضلاً عن انعكاسات العقوبات الحزبية التي صدرت بحق مسؤولين خالفوا قرارات الجماعة في الاستحقاق الانتخابي. 

ثالثاً - من التحديات التي تنتظر معالجة ضرورية هي الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها الجماعة ومؤسساتها، تأثراً بالوضع الاقتصادي العام وبالدرجة الأولى بسبب التضييق الشديد في الخارج على جمع التبرعات لتمويل المشاريع الدعوية والخيرية.. الأمر الذي يستلزم من قيادة الجماعة تأمين مصادر جديدة تعين مؤسسات الجماعة التربوية والصحية والاجتماعية والإعلامية والطلابية... في عملها. 

رابعاً - تثبيت مبدأ الإدارة المؤسسية المستندة إلى نظم وقوانين، بعيداً عن التأثير الشخصي لقياديّ هنا أو ضغوط كيان داخلي متضخّم هناك. 

أخيراً، فإن الجماعة الإسلامية، وهي تمثل مشروع الإسلام السياسي في لبنان، معنيّة أكثر من أيّ وقت مضى بالتماسك الداخلي والصمود أمام الاستهداف السياسي والمالي، وهي مدعوّة إلى الانفتاح على المجتمع اللبناني لتكون شريكاً فاعلاً في بناء مشروع الدولة، ومعبّراً عن الساحة الإسلامية بمختلف مكوّناتها.. وهي تمتلك المقوّمات الكافية للقيام بهذا الدور.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق