1/22/2022

إعلامنا اللبناني في الاستحقاق الانتخابي.. بين مواجهة رموز السلطة وبين تلميعهم.. لضرورات ماليّة

عادة ما تساهم #الانتخابات_النيابية في تحريك العجلة الاقتصادية في لبنان، ويشكّل هذا الاستحقاق موسماً خصباً لشركات التسويق والمطابع والمصمّمين (Designers) والمفاتيح الانتخابية والمطاعم.. ومن أبرز الفئات التي تستفيد مالياً من الاستحقاقات الانتخابية هي #المؤسسات_الإعلامية، حيث يلجأ إليها المرشحون بمقابلات مدفوعة بالدولار الأمريكي، للإطلالة على الجمهور وإعلان البرنامج الانتخابي، ومحاولة إقناع الجمهور بالنزاهة والوطنيّة ومحاربة الفاسدين، ولإطلاق الوعود الانتخابيّة المعروفة... فضلاً عن بث تقارير إخبارية عن تقديمات هذه الجمعية التابعة لهذا الحزب أو ذاك. وقد بلغت فاتورة الإطلالة في بعض البرامج التلفزيونيّة الأساسيّة إلى حوالي مائة ألف دولار أمريكي.

هذا ما كانت عليه كثير من المؤسسات الإعلاميّة في الاستحقاقات الانتخابيّة قبل الحراك الشعبي في #17تشرين 2019.. لكنّ هذه المحطة المفصليّة في التاريخ اللبناني فرضت فرزاً اجتماعياً وإعلاميّاً جديداً، انعكس على خطاب أبرز المؤسسات الإعلاميّة وسياستها التحريرية في أخبارها وبرامجها، فاجتهدت لدعم الحراك الثوري ومواجهة السلطة السياسية وتحميلها مسؤولية الانهيار الذي وصلنا إليه. وتبرز محطات (#MTV – #LBC – #الجديد) في مقدّمة هذه المحطات التلفزيونيّة المناهضة للطبقة السياسيّة ورموزها، من نواب ووزراء وشخصيات حزبيّة ناشطة.
وبمعزل عن نظرية المؤامرة التي يطرحها البعض، هل هذه القنوات التلفزيونيّة اعتمدت رسالة إعلاميّة ثورية عن قناعة بمواجهة فساد السلطة، أو لأسباب أخرى.. بمعزل عن صحة هذه الفرضيّة أم لا، كان خطاب تلك القنوات متناغماً مع حراك الشارع بشكل لافت، وداعماً لها، حتى ليخيّل إليك أحياناً في بعض البرامج أنك تشاهد "تلفزيون الثورة". وقد استندت مجموعات الحراك ورموزه إلى تلك #القنوات_التلفزيونية في الظهور الإعلامي وتسويق الحملات والدعوة للتحركات الميدانيّة.. وهذا فعل جيد يقدّر لتلك القنوات التلفزيونيّة.


لكن، مع إطلاق وزارة الداخليّة صفارة بدء #الاستحقاق_الانتخابي وفتح باب الترشيح، وبدء الحملات الانتخابيّة للأحزاب في لبنان، إذا بنا نفاجأ ببعض تلك القنوات التلفزيونية "الثورية" تعود إلى سابق عهدها في استضافة مرشحي أحزاب السلطة، الذين كانت هي نفسها (الشاشات) تنتقدهم وتصوّب سهامها عليهم طيلة السنتين السابقتين، عبر أخبارها وبرامجها السياسيّة والمنوّعة.. إذا بها اليوم تستضيفهم هم أنفسهم (الفاسدون) في برامج انتخابيّة خاصة، مثل البرنامج الجديد "#سؤال_انتخابي" للإعلامي #طوني_خليفة على قناة lbc، أو ضمن برامج حوارية مثل برنامج "#صار_الوقت" على MTV وغيره من فقرات سياسيّة حوارية.. هذه الاستضافات تصبّ - بطبيعة الحال - في تحسين الصورة والترويج لهذا المرشح "الفاسد سابقاً".. وفق بدل ماليّ، تستفيد منه هذه المؤسسة التلفزيونيّة.
كي نكون منصفين في الطرح، فإنّ المؤسسات الإعلاميّة في لبنان تواجه أزمة مالية كبيرة، دفعتها إلى خفض الإنتاج والتراجع في المعايير التقنية، وحتى اضطرت بعض المؤسسات لصرف موظفين.. هذا واقع لا يخفى على أحد، وبعض المؤسسات الإعلاميّة تواجه خطر الإقفال بسبب الأزمة الماليّة.

هل هذا الواقع يبرّر لمنابر إعلاميّة كانت تتبنّى خطاب الثورة والتغيير وإسقاط الطبقة السياسيّة الحاكمة، أن تسخّر شاشتها لتلميع صورة مرشح كانت تصفه بالفاسد وبأنه من أسباب الانهيار المالي والاقتصادي في لبنان؟
أحسب أنّ الإجابة ليست بهذه السهولة، وأسمح لنفسي أن أقول بأنّ هذا التناقض يمكن أن ندرجه ضمن باب "الضرورات التي تبيح المحظورات" كي تحافظ المؤسسة الإعلامية الواقعة في عجز مالي كبير على استمرارها، ووضعها لا يشبه وضع مؤسسات إعلامية حزبيّة صرف، تقوم الجهة المالكة "الحزبيّة" بتمويل كامل نفقاتها، مثل #قناة_المنار مثلاً، التي لا تجد نفسها مضطرة لمثل هذه الضرورات، فهي مموّلة بالكامل وإدارتها مرتاحة من همّ تأمين نفقات التشغيل.

لكن على الأقل، يمكن لتلك المؤسسات الإعلامية التي تقع في حالة الضرورة هذه، أن تحسن إخراج هذا السلوك القسري، عبر تحقيق توازن بين استضافات الضرورة لتحقيق منفعة مادية، وبين رسالة إعلاميّة وطنيّة مناهضة لفساد رموز السلطة، تتبناها وتبثها المؤسة الإعلاميّة عبر برامج وبروموهات إعلانيّة توعويّة.. وأيضاً هذا التوازن يمكن أن يتحقق من خلال الالتزام بسقف الضرورة في الحوار، دون الانزلاق إلى تلميع الصورة ودعوة الجمهور للتصويت لهذا المرشح أو ذاك.

أيمن المصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق