7/17/2022

في الاستثمار السياسي والجندري لتفوّق طلاب الشهادات الرسمية

في نهاية كل عام دراسي يخضع طلاب #الشهادة_الرسمية المتوسطة والثانوية، لامتحانات خارج إطار المدرسة، تؤهلهم نتيجتها لاجتياز مرحلة دراسيّة، #البريفيه و #البكالوريا.. وفي بلد شديد الاصطفافات الطائفية والحزبية والثقافية مثل لبنان، نشهد عند صدور نتائج الامتحانات الرسميّة كل سنة ظاهرة لافتة، وهي توظيف نجاحات الطلاب المتفوّقين بهدف تلميع صورة الفئة التي ينتمي إليها الطالب، وأحياناً تسجيل نقطة في مرمى "الخصوم".

فإذا كان الطالب المتفوّق – على سبيل المثال – ينتمي بيته إلى محور سياسيّ معيّن، وجدنا حرص أهله في المقابلات التلفزيونيّة على تصدير راية تلك الجهة الحزبيّة في المنزل، وإقحام ذكر هذا المحور السياسي أو ذاك، لتصدير فكرة أنّ هذا الخط السياسي ناجح في صناعة الأجيال وتوفير البيئة المناسبة لها، وصولاً إلى توجيه رسالة غير مباشرة في السياسة، أن هذا الخط السياسي قادر على إدارة حياتنا العامة، وهذا أبرز مثال على صوابيّة مشروعنا السياسي".

وإذا كان المتفوّق الأول فتاة، أسرعت جماعات #النسويّة لإبراز فكرة أنّ العنصر البشري المؤنث أكثر ذكاءً وكفاءة من الذكور، مع استحضار سرديّة أنّ على المجتمع أن يفتح للمرأة الأبواب ويعطيها الفرصة لإثبات جدارتها في تولّي المناصب والقيادة...

وإذا كان الطالب الأول على صعيد لبنان فلسطينياً أو سورياً، انبرت بعض المؤسسات الفلسطينيّة لتصدير فكرة نبوغ الطالب الفلسطيني وتميّزه عن أقرانه، مع استحضار نماذج سابقة لتدعيم الفكرة..

وقِس على ذلك أيضاً حالات الفقر والإعاقة وغيرها.

وأرى أنّنا في جميع هذه الحالات نقوم بسرقة تعب الطلاب المتفوّقين، فننسب تميّزهم ونجاحهم للجندر أو الفقر أو الخط السياسي... وفي هذا ظلم للطالب\ة واستخفاف بتعبه الشخصي.


نعم، الصعوبات المعيشيّة قد تخلق تحدّياً عند فئة من الطلاب فتدفعهم للمواجهة والصمود أكثر، لكن هذه ليست قاعدة، فلو رجعنا إلى الدراسات لوجدنا أنّ حالات #التسرّب_المدرسي تنتشر أكثر في المناطق الفقيرة. وإذا كانت المعاناة هي الدافع الأول للتميّز، فلماذا نرسل أبناءنا للدراسة خارج هذا البلد المتحلّل الذي يفتقد أبسط مقوّمات العيش الكريم، لبنان؟ أليس لتوفير بيئة دراسيّة مناسبة لأبنائنا، ثم تأسيس حياة مستقرّة سليمة؟ لا أحسب أنّ البيئة النموذجيّة للدراسة هي المعاناة اليوميّة وانشغال الذهن في المياه والكهرباء والخبز والدواء... وغلاء المعيشة.

في مسألة الجندر، أتساءل هنا: لماذا علينا أن نخلق هذا الصراع بين العنصرين البشريين اللذين خلقهما الله تعالى في الحياة: الذكر والأنثى؟ هل علينا أن نخوض دوماً معارك لإثبات كفاءة أحدهما عن الآخر؟ لماذا لا نؤسس لمعادلة أنّ من يجتهد يصل.. سواء كان ذكراً أو أنثى.

أما عن الخط السياسي أو الحزبي، فهل نتوقع من طالب\ة في صف البريفيه، أي في الرابعة عشرة من عمره، أن يأبه لاصطفافاتنا الحزبيّة أو يفكر في تعقيدات هذا المحور السياسي أو ذاك، وهو في هذه المرحلة العمريّة؟

ولا بدّ هنا من التوقف عند نقطة في الجانب الديني. أفهم جيداً أن تفتخر الطالبة الملتزمة دينياً بتفوّقها، في محاولة للردّ على شبهات عنصرية مقيتة يطلقها البعض بأنّ حجاب الفتاة تخلّف عن العصر وأنّ غطاء الرأس يغلّف العقل، ويعزل الفتاة عن مجتمعها ويضعها في قوقعة شعورية.. نعم من حق الفتاة وأهلها أن يتملّكهم هذا الشعور في الردّ العملي، فليس من الإنصاف الانتقاص من قدرات وكفاءة الطالب والطالبة الملتزمين دينياً اللذين لا يختلفان عن أقرانهم بشيء، لا بل أكثر من هذا، فالالتزام الديني والقرب من الله عزّ وجلّ يوفر استقراراً نفسياً للإنسان، وهذا عامل مساعد في النجاح في الحياة. على أن لا نتجاوز المعادلة الأساسيّة: اتعب كي تنجح. فالطالبة الأولى على لبنان #أميرة_زريق تفوّقت لأنها اجتهدت ودرست، وليس لأنها ملتزمة دينياً.

ختاماً نقول، يستحق التقدير كل طالب تغلّب على الصعاب التي نمرّ بها هذه الأيام في لبنان وأثبت تفوّقه الدراسي، سواء كانت هذه الصعاب معيشيّة أو خلقيّة أو ماديّة. يستحق هذا الطالب التقدير أكثر من غيره. لكن دعونا لا نعكّر فرحة أبنائنا الطلاب بنجاحاتهم، فنقحمهم في تعقيدات خلافاتنا الطائفيّة والثقافيّة والسياسيّة. ولنغرس في نفوسهم قاعدة الحياة الأساسيّة: إذا أردت أن تحقق هدفك، فعليك أن تتعب للوصول إليه.

لنترك طلابنا يفرحوا بنجاحاتهم ويخططوا لمستقبلهم ويحققوا أحلامهم، بجهدهم وتعبهم وعرق جبينهم، لا لانتمائهم إلى حزب أو عرق أو طائفة.

أيمن المصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق