بقلم: أيمن المصري
لقد فطرت النفس على الاستمتاع بنشوة الفوز، وكره الشرع سلوك الشماتة بالخصم، والذي قد تميل إليه نفس الفائز. وفي بعض المواقف تكون الشماتة أمرّ من الخسارة نفسها.. وقد استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من شماتة الأعداء، لعلمه بالجرح المعنوي العميق الذي تسبّبه الشماتة، وقال أيضاً: ارحموا عزيز قوم ذلّ.. في إشارة إلى قساوة الموقف ووقعه على العزيز الذي قدّر الله له أن يذلّ. فكيف إذا كان الشامت هو الزوجة، والعزيز الذي ذلّ هو.. زوجها؟! ويزداد الجرح عمقاً إذا كانت الزوجة من الصنف الاستغلالي، فتستغلّ الموقف أبشع استغلال لـتسجّل على زوجها خطأ رأيه.. والآن قد جاء وقت التشفّي: أرأيت؟ ألم أقل لك؟ ما كنت تصدقني. لقد جاء اليوم الذي ظهر فيه خطأ رأيك… الخ.
إنه موقف أشدّ على النفس من ضرب السهام.. يجعلك تندم على انتمائك لفكر حضاري مستنير يعطي المرأة حقها في التعبير والنقاش والحوار.. ولو تيسّر لك أن تنادي على الشيخ يوسف القرضاوي – حفظه الله - وتقول له: سامحك الله يا شيخ يوسف، تعال وانظر ماذا فعلت بنا آراؤك المتنوّرة.. انظر الحال التي نحن عليها.
لكن.. للأمانة، فإن الإمعان في شماتة وتشفّي الزوجة، سببه إمعان سابق كان قد مارسه زوجها في إقناعها (بالنون أو الميم لا فرق) بموقف معين، ومبالغة بالاستهزاء برأيها.. ودارت الأيام، ليظهر أن رأيها هو المصيب / المصيبة..
لطالما حدّثت زوجتي عن الحركة الإسلامية في لبنان بجناحَيها، وعن حلف استراتيجي يجمع هذين الجناحين، في السياسة والمقاومة والدعوة.. وأن المشتركات أكثر بكثير من الخلافات الصغيرة..
منعتها مراراً من الاستهزاء بشعارات ‘الوحدة الإسلامية’ التي يرفعها أحد الأحزاب..
حين كانت تغمز في حديثها عن مشروع ما لذلك الحزب، كنت أسخّف كلامها، قائلاً: لا تنطقي بهذا الكلام أمام أحد فيضحك عليك.. أنت تعيشين أوهاماً.
كنت أرفض اتهامها له باختراق ساحتنا دون أيّ احترام لخصوصياتها، وشراء ذمم مشايخ أو شخصيات، بالمال ‘النظيف’.
أكدت لها قدسيّة سلاح المقاومة، وأنه من سابع المستحيلات أن يستخدم هذا السلاح في حروب داخلية أو أن يتحوّل إلى صدور المواطنين..
لطالما جهدت في إقناعها أن ذاك الحزب هو حزب مقاوم، له قضية واحدة لا يحيد عنها، هي تحرير كامل الأراضي اللبنانية، لا تهمّه المناصب السياسية أو المكتسبات الداخلية.. ولا يمكن بأيّ حال أن يوظف انتصاره المبهر على إسرائيل وتحريره للأسرى.. في تحقيق مكاسب خاصة لمشروعه الخاص..
كانت زوجتي لا ترى من ذلك الحزب إلا بعض ممارسات فردية خاطئة يقوم بها أفراده هنا أو هناك.. وأنا كنت أدعوها دوماً إلى تجاوز هذه الصغائر لمصلحة المشروع الإسلامي العام..
كنت أردّد دائماً: الحرب الأهلية في لبنان ولّت إلى غير رجعة، ومن كان يقتني سلاحاً إما باعه أو سلّمه إلى الجهات المختصّة أو رماه في مستوعبات النفايات العامة.. لانتفاء الحاجة إليه.
كنت أعتبر أن الرهان الأساسي يجب أن يكون على مشروع الدولة لا غير.. وأن زمن التسلّح الفردي من أجل الدفاع عن النفس قد ولّى..
والآن..
أجدني أقف موقفاً صعباً وقاسياً.. لم تتحمّله نفسي العزيزة..
ليس أمامي إلا المكابرة على الخطأ - بعد الإذن من شيخنا القرضاوي - والإصرار على آرائي السابقة..
ولا أملك إلا أن أقول:
جزى الله كل سوء من كان السبب في وضعي في مثل هذا الموقف العصيب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق