1/30/2009

إذاعة الفجر.. حيث يدعو الواجب

بقلم: أيمن المصري

نالت إذاعة الفجر الترخيص الرسمي من مجلس الوزراء اللبناني في شهر آب 2007، وبدأت بعدها الاستعدادات الفنية ثم البرامجية لإطلاق بثها الرسمي.
وإذاعة الفجر لم تكن وليدة تلك السنة، بل كانت نتاج تجارب مناطقية عديدة، في بيروت وصيدا وطرابلس، امتدّت منذ أحداث عام 1958 مروراً بإذاعات مناطقية خلال الحرب اللبنانية عام 1975، ثم عام 1994 على مدى سنوات عديدة، حيث كانت تؤدي خلالها تلك الإذاعات دوراً دعوياً وسياسياً رغم تواضع الإمكانات في الساحة الإسلامية في لبنان. وغلب على خطاب الإذاعات المناطقية في تلك المرحلة الثورة والجهاد والمآسي، حتى في أيام الأعياد، فضلاً عن اللفحات النارية ضدّ الحكام والأنظمة لبعض العلماء (كالشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله) وغيره..

ويعزى هذا الواقع إلى أسباب عديدة:
1- التأثر بأجواء المقاومة وعملياتها الاستشهادية في فلسطين المحتلة.
2- غلبة مادة الفنّ الجهادي، يقابلها نقص في مادة الفنّ الاجتماعي والدعوي العام.
3- حداثة التجربة الإعلامية لدى أولئك الشباب العاملين في تلك الإذاعات، وهذا لا ينتقص من فضلهم وأجرهم الكبير شيئاً.
وبعد انقضاء تلك المرحلة، وانخراط المقاومة الفلسطينية محرّكة الشعوب العربية والإسلامية في المشروع السياسي الإسلامي، وبعد أن استدرك فنانو الساحة الإسلامية النقص غير الطبيعي الذي كانت موسومة به، فأنتجوا في الأسرة وحبّ الوطن وحب الزوجة والأم والأب والولد، فضلاً عن الأفراح والأعراس.. وبعد نضج التجربة الإعلامية في الساحة الإسلامية اللبنانية..

بعد كل هذا.. ومع انطلاقة بث إذاعة الفجر مؤخراً، كان التوجّه العام أن تتجنب الإذاعة الخطاب الثوري، فالأصل في الدعوة السلام وليس الحرب، والأصل في الدعوة الفكرة والكلمة الطيبة وليس الشتم أو اللطم على المآسي..
كان التوجّه بعد حصول إذاعة الفجر على ترخيص رسمي (فئة أولى)، أن تكون إذاعة سياسيّة لبنانية، تعكس المشروع الإسلامي الذي تتبناه. فالإذاعة هي منبر دعوي غير منحصر بالساحة الإسلامية فقط، رغم أهميتها، بل هي تحمل رسالة الدعوة إلى مختلف الشرائح اللبنانية. وانعكس هذا التوجّه العام على المخطط البرامجي للإذاعة منذ انطلاق بثها التجريبي (أكثر من تسعة أشهر)، فجرى تخفيف المادة الثورية والفلسطينية في الأناشيد والفواصل الإذاعية إلى حدّها الأدنى، قابله تركيز أكثر على الشأن اللبناني والإسلامي العام.
ورغم سماعنا لانتقادات من بعض الجمهور الذي كان معتاداً على النمط الجهادي وحده، إلا أن «أسرة الإذاعة» كانت مصرّة على اللون الإسلامي والمحلّي العام، تدفعها لهذا قناعة شرعية ومهنيّة أن هذا هو الصواب في الخطاب الإعلامي الإسلامي.. وبدأ بعض ذاك الجمهور يعتاد هذا النمط.
لكن.. وفي لحظة معيّنة، انقلبت تلك القناعة وتوقفت جميع البرامج في الإذاعة، المباشرة وغير المباشرة، حيث بات من الواجب على إذاعة الفجر - وهي التي تتبنى مشروعاً إسلامياً - أن تعدّل من أولوياتها، لتنصر قضية يراد لها أن تنتهي، حتى لو كان هذا على حساب جزء من جمهورها..
فمع بدء العدوان على غزة عدّلت إذاعة الفجر كل برامجها وهواءها لتقوم بالدور المناط بها، في إيجاد رأي عام في الساحة اللبنانية، يدافع عن خط المقاومة ويندّد بما يجري من حصار ومجازر في غزة.. وفي تحريك الهمم وتحفيز النفوس كي تنتفض وتقدّم ما تستطيع لأجل قضية مصيرية.

وهكذا، بعد أن كان التوجّه العام أن تغيب الصبغة الثورية الفلسطينية في إذاعة الفجر، تحوّلت إذاعة الفجر إلى صوت المقاومة في فلسطين، ومنبر الثورة والجهاد والتبرع بالمال من أجل دعم المجاهدين في غزة.
إنه فقه الأولويات الذي أصّل له العلّامة الفقيه الشيخ يوسف القرضاوي.. فحين يدعو الواجب تختلف الأولويات.. وقد أجاب على أحد سائليه عن أفضل الأعمال؟ فأجاب أن الأفضلية في الأعمال تتغير بحسب الظرف والحاجة. فقد يكون أفضل الأعمال في وقت هو العمل الإغاثي، وفي وقت هو برّ الوالدين، وفي ظرف آخر هو الكلمة الطيبة أو الصلاة في وقتها.. دون أن يلغي أحد هذه الواجبات الواجب الآخر.
مع انتهاء العدوان على غزة، وعودة التهدئة النسبيّة، تعود إذاعة الفجر إلى برامجها المعتادة، راضية عن دورها الذي أدّته حين دعاها واجب النصرة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق