1/16/2009

.. إليها كلّ التحيّة!

بقلم: أيمن المصري

لطالما كان صيت المرأة اللبنانية بأنها إنسان يحب المظاهر ويصرف معظم ماله – أو مال زوجه – على أدوات التجميل والعطور والكماليات.. وهذه ثقافة اشتهر بها الشعب اللبناني، وصدق ذاك المثل الشعبي الذي يعطي صورة حقيقية عن طبيعة اللبناني الذي «يتديّن ليتزيّن».

لكن الإسلام هذّب هذه الطباع وخرّج نماذج مشرقة، أظهرتها أحداث غزة الأخيرة، وقلبت تلك الصورة الذهنية عن المرأة اللبنانية التي نعرفها ونتعايش معها في المجتمع.

إنها بركة الجهاد في غزة وبركة القضية التي يحملون.. حيث برزت مواقف كنا نقرأ عنها في الأثر عن الصحابة والسلف.. حتى شعرنا كأننا نعيش زمن الصحابة، وهذا ما قاله رئيس الحكومة الفلسطينية إسماعيل هنية في كلمته المتلفزة التي توجّه بها منذ أيام.

لقد أطلقنا في إذاعة الفجر الأسبوع الماضي حملة للتبرع لأهل غزة تحت عنوان «.. والله اشترى»، خصصنا لها فترتين إذاعيّتين على الهواء مباشرة، وبلغت حصيلة الجولتين أكثر من 140 ألف دولار، ومجموعة كبيرة من الحليّ الذهبية، بحمد الله تعالى.

تلقينا اتصالات المتبرعين على مدى ساعات عدة، واستمعنا إلى رسائلهم وشاركناهم ألمهم ومشاعرهم.. وكان الترتيب أن نستضيف علماء أفاضل للتحدث وتحريك مشاعر الناس وذكر فضل التصدق لحثّهم على التبرع لأهل غزة..

لكننا فوجئنا بأنّ المستمعين - ولا سيّما المستمعات - لم يكونوا بحاجة إلى من يذكّرهم بواجب دعم إخوانهم، فقد انهمرت الاتصالات دون أن تترك مجالاً للضيف أن يتحدث أو يحفّز.. ما اضطرنا في الفترة الإذاعية الثانية إلى التخفيف من الضيوف، لأن النفوس لا تحتاج شحناً، وكل ما تحتاجه هو أن تقدّم للمجاهدين في غزة: الروح أو المال أو الذهب.

ومرّت بنا مواقف لم نستطع أمام روعتها حبس الدمعة تأثراً وإكباراً.

حين تتبرّع المرأة ببعض مالها فهذا خير، يجزيها الله عليه الأجر والثواب. لكن أن تتبرّع المرأة بجميع ما تملك من حليّها الذهبية لأهل غزة..

.. وأن تقدّم إحدى المتصلات - وهي عروس جديدة – «شبكتها» إلى أهل غزة..

.. وأن لا تجد متّصلات عديدات ما يتبرعن به إلا خواتم زواجهن «المحبس»، فيقدمنه رخيصاً في سبيل الله.

.. واتصلت إحدى الأخوات وصوتها يتحشرج ألماً على أطفال غزة وما يجري فيها، وقالت: لقد كنت أجمع من مصروفي لتأمين كلفة أداء فريضة الحج هذه السنة، وها أنا أقدّم كل ما جمعت إلى أهل غزة.. رافضة أن تتحدث على الهواء أو يذكر اسمها.

إن هذه النماذج تستحق التحية والإكبار.. ولا تجد تعبيراً عفوياً إلا التكبير واستصغار النفس أمامها.

وتستحق التحية تلك الأم التي كانت تؤمّل وليدها كل يوم وهو يجمع «عيديّاته» ومصروفه بأن تشتري له لعبة كبيرة.. وها هي الآن تشرح له ما يجري لأطفال غزة، فيقرر أن يقدّم ما جمع على مدى شهور إلى العمل الجهادي في فلسطين.. بكل طيب خاطر.

لكم شعرنا بالحرج والارتباك حين وصلتنا حصّالة كبيرة «قجّة» وهي مقفلة، قدّمها صاحبها إلى أقرانه من أطفال غزة، متنازلاً عن أحلامه بشراء لعبة «بلاي ستايشن» أو دراجة أو جهاز كومبيوتر.. هل نأخذ من هذا الطفل عطاءه الكبير ونحرمه من لعبته التي حلم أن يشتريها على مدى شهور وربما سنين؟!

إن الأمّ التي ربّت طفلها على هذا النهج وهذه التضحية، تستحق كل التقدير.

إن المرأة التي تتنازل عن فطرتها الأنثوية بحب الزينة وتهب جميع ما قدّم لها زوجها من خطبتها حتى زواجها من هدايا ذهبية..

.. والفتاة التي قدّمت خاتم خطبتها، وهو بالنسبة للفتاة أغلى ما تملك من قيمة معنوية يربطها بفارس أحلامها..

.. والمرأة التي تشترط أن يذهب عطاؤها تحديداً إلى العمل الجهادي..

والأمّ التي علّمت طفلها ابن الثلاث سنوات أن يقول بلهجة طفولية لا تكاد تفهم «لن نعترف بإثرائيل»، وطفلة أخرى تدعو فتقول: «الله ينسر حماث»!

إنها نماذج أمّة نفتخر بالانتماء إليها.. نماذج لم تلتفت إلى المسلسلات التركية ومسابقات السوبر ستار، مستعدّة لأن تضحّي بكل ما تملك من أجل شرف الأمة وعزّتها، بعد أن غاب عنها الرجال.

لقد أثبتت المرأة اللبنانية أنها جديرة بصناعة جيل النصر..

.. إليها كل التحيّة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق