8/01/2012

رأي آخر.. في إفطاراتنا الرمضانية الرسمية


مع دخول شهر رمضان في كل عام، تدأب الجمعيات والمؤسسات الإسلامية في لبنان على إقامة الإفطارات الرمضانية، كسباً لأجر إفطار الصائم، أو اغتناماً لموسم العطاء فتعرض مشاريعها وتجمع التبرعات من أهل الخير، حيث يكون أجر الزكاة أو الصدقة مضاعفاً في شهر رمضان المبارك.


وعاماً بعد عام، ومع انفتاح الحركة الإسلامية في لبنان على الآخر، الديني والسياسي، ومشاركتها في المشهد السياسي اللبناني، بات إفطارها السنوي فرصة للالتقاء مع أهل السياسة والثقافة والإعلام والأمن والدين.. لإعلان موقف من أحداث أو قضايا تشغل الساحة.

وهكذا، فقد تطورت شريحة المشاركين في الإفطارات السنوية للحركة الإسلامية، من المساكين الصائمين، إلى المحسنين من أهل الخير، ثم إلى أهل السياسة والشأن العام في البلد.

وهذا تطوّر إيجابيّ في العمل الإسلامي، يعكس نضجاً في الخطاب، وحضوراً بات مطلوباً.

وفي هذا النوع من الإفطارات تبرز إشكالية متكررة، حيث تتمسك الجهات المنظمة بمظاهر شكلية، لتبدو كأنها أساس في الشرع.

.. أتحدث عن أداء صلاة المغرب قبل الإفطار.

أفهم أن يجري تقديم فقرة الصلاة على تناول الإفطار حين يكون الجمع من الصائمين أهل الالتزام، التزاماً بالهدي النبوي، حيث ورد أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُفطر على تمر أو ماء، وبعدها يؤدّي صلاة المغرب، ثم يتابع إفطاره.

وأيضاً لا ينكر أحد الفائدة الصحيّة في تناول التمر والماء ثم الانتظار لعشر دقائق، ثم الانتقال لطعام الإفطار.
لكن.. حين يكون الأصل في المدعوّين أنهم من أهل السياسة والرأي والإعلام والأجهزة الأمنيّة، ممن يكون معظمهم في الأساس لا يصلّون، وحين يكون بين الحضور من هو غير مسلم من الطوائف الأخرى، أو ممن لا يصلي، أو حتى على غير وضوء.. أفلا يستدعي هذا النوع من الإفطارات الرسمية أن يختلف تنظيمها عن الأنشطة ذات الهدف الديني البحت؟

فالذي يحصل في إفطاراتنا الآن، أن يجلس المدعوون من الشخصيات متنوعة المشارب في أماكنهم، وتمتلئ القاعة بضيوفها، ويترقّب الجميع رفع أذان المغرب إيذاناً بالإفطار.. وما يلبث المدعوون أن يبدؤوا طعامهم حتى يعلن العريف أن الصلاة ستقام في القاعة الأخرى، فتعمّ الفوضى في القاعة، حيث يقوم المصلّون لأداء الصلاة، وهنا تتلفت الشخصيات (غير المسلمة أو غير المقيمة للصلاة) يمنة ويسرة فلا تدري ما يجب عليها أن تفعل، ويشعر بالحرج من هو على غير وضوء.. فضلاً عن حرج الأخوات المشاركات ممن لا تجب الصلاة عليها في هذا اليوم.

والمشكلة الأكبر حين ينسى الضيف أين مكانه، أو يعود إلى مكانه فيجد شخصاً قد احتلّ كرسيّه.. فيما الشخصيات السياسية والدينية من غير المسلمين أو ممن لا يصلي، يقبعون في أماكنهم ليس معهم أنيس كتلاميذ الصف ينتظرون الإذن لهم بتناول الطعام.

يا سادة.. ما دام تقديم الصلاة على تناول الطعام هو من باب الاستحباب.. فعلام التمسك به في موقف استثنائيّ؟ والجميل حين تجد البعض يهبّ لأداء الصلاة قبل الإفطار منتشياً، لكنه في بيته لا يصلي المغرب إلا بعد أن يملأ بطنه من الطعام والفاكهة والحلويات. فعلام هذا الانفصام في السلوك؟

معروف أن المساحة الزمنيّة بين أذانَي المغرب والعشاء حوالي ساعة ونصف الساعة، ومعروف أن الإفطارات الرسمية تشمل فقرتين: تناول الطعام وكلمة رئيسية، أي ما مدته حوالي ثلاثة أرباع الساعة. وبالتالي، تبقى ثلاثة أرباع الساعة لمن أراد الصلاة بعد الانتهاء من البرنامج، فيمكن حينها بكل بساطة عند بداية الإفطار أن تعلن الجهة المنظمة أن صلاة المغرب ستؤدى جماعة في الختام، من دون الاضطرار لهذا الإرباك والحرج.

وقد قال الفقهاء: يستحبّ أداء صلاة الرجل قبل الإفطار، إلا إذا كان هناك من ينتظره.

وأخيراً أقول: إن ترك أمر مستحبّ في ظرف استثنائي لا يخدش الهوية الإسلامية التي نحرص على التمسك بها.. والهوية لا تنحصر بشكليات تعبّدية، بل بالخطاب الإسلامي المتمسك بالثوابت الدينية والفكرية العامة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق