4/28/2016

أسئلة مشروعة في الانتخابات البلدية والاختيارية


بقلم: أيمن المصري

على أبواب الاستحقاق الانتخابي البلدي والاختياري في لبنان، تنشط الأحزاب والجهات استعداداً لهذه المحطة التي تغتنمها فرصة لتثبيت الحضور واختبار القوة وإيصال كوادرها إلى مواقع تتيح لها خدمة جمهورها من خلالها.

وبطبيعة الحال تخوض تنوّعات الساحة الإسلامية في لبنان هذا الاستحقاق، ترشيحاً وانتخاباً. وهي تسعى – كأيّ حزب آخر - لتسويق مرشحيها بين الجمهور، عبر حملات إعلامية وتعبئة داخلية. وتتنوع طبيعة مشاركاتها في العملية الانتخابية، فهي تنضمّ إلى لائحة توافقية هنا، وتخوض مواجهة هناك، وتمتنع عن الترشيح هنالك.

ولا جدال أن الساحة الإسلامية في لبنان أفرزت في الدورات السابقة شخصيات بلدية واختيارية ناصعة في أدائها، يشهد لها.

ما أودّ هنا طرحه هو إشكاليات تقع فيها بعض الجهات الإسلامية خلال حملاتها الانتخابية البلدية والاختيارية، بين القيم التي تحث عليها الناخبين في حملتها، وبين الممارسة العملية خلال المعركة الانتخابية..

.. فهي تدعو المواطنين في أدبيات خطابها الانتخابي إلى "اختيار الأكفأ والأصلح، دون محاباة لعائلة أو حزب"، وهي أيضاً بهدف تحريك الحسّ الوطني وإعمال العقل عند الاختيار، فإنها تنادي برفض منطق اللوائح المعلبة التي تلزم الناخب بإسقاط اللائحة كاملة دون تمحيص في الأسماء.

هذه مفاهيم جميلة وقيم وطنية راقية لا يختلف عليها اثنان.. لكن هذه الجهة الإسلامية في حال انضمامها للائحة توافقية، فإنها حكماً ستلتزم بتصويت شريحتها الناخبة (صفها الداخلي على الأقل) لجميع أعضاء تلك اللائحة، وبطبيعة الحال فإن ماكينتها الانتخابية ستجتهد لتسويق جميع أعضاء اللائحة وإقناع البيئة الحاضنة بالتصويت للائحة كاملة.. وبالتالي لم يعد معيار الاختيار هو الأصلح والأكفأ، الذي قد يكون موجوداً في لوائح أخرى وليس في اللائحة المشاركة فيها.. وأيضاً، فإن هذه الجهة الإسلامية وقعت في ما كانت تنادي برفضه، فقد انخرطت بلعبة اللوائح، التي كانت تنكرها في حملتها الانتخابية!!
فأين ما كانت تدعو إليه؟

وهي كيف ستدعو شريحتها الناخبة إلى اختيار شخص قد يكون أقلّ كفاءة من مرشح كفء موجود في لائحة منافسة. وأكثر من ذلك، لربما يكون في اللائحة التي تشارك فيها شخص تعرف عنه فساداً في جانب معين، فيما الأصلح موجود في لائحة أخرى.

فما العمل هنا؟ أضع هذا السؤال أيضاً برسم أهل الاختصاص في السياسة الشرعية.


تنزيل النصوص الدينية
وأغتنمها فرصة للإضاءة على إشكالية أخرى في مثل هذه الاستحقاقات، حين تلجأ جهة إسلامية في حملتها الانتخابية لتوظيف نصوص دينية في خدمة تسويق مرشحيها وجذب الجمهور للتصويت لهم، فإذا بها تعمل على إضفاء الصبغة الدينية على معركتها الانتخابية، فنجدها تطرح مثلاً شعار: "صوتك أمانة.. تسأل عنه يوم القيامة"، أو الآية الكريمة (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها)، أو (إنّ خير من استأجرت القوي الأمين).

إن هذا التنزيل للنصوص الدينية في استحقاق تنافسيّ خدماتي هو دغدغة لعواطف الناخبين في البيئة الإسلامية، وكأنها بهذا تحصر الأمانة والصدق والإخلاص بمرشحيها فقط، ويكاد يصل البعض ليعتبر أننا نتعبّد الله تعالى من خلال التصويت لمرشحي هذه الجهة. وهذا غير طبيعي.. فالموقع خدماتي إنمائي، وليس نيابياً أو وزارياً، وليس اختياراً بين كفر وإيمان. وقد يحصل أن يتنافس مرشحان إسلاميان لمقعد واحد.

قد يكون مفهوماً أن ينجرّ المرشح في خضمّ حملة انتخابية مستعرة لتقديم نفسه – أو برنامجه - على أنه "المنقذ"، الجميع يلجأ لهذا الخطاب، ولعله أحياناً من ضروريات المعركة الانتخابية.. لكن المشكلة في احتكار الخيرية والصلاح، استناداً إلى نصوص دينية.

ونقول: إن من الطبيعي للجهات الإسلامية أنها تنطلق في أدائها وحراكها من ثوابت ومنطلقات شرعية، وتحكم مسارها الضوابط الشرعية، وأن تعمل على توفير تأصيل شرعي لكل حركة أو موقف. هذا طبيعي، وهو الأصل.. لكن الإشكالية حين تقوم جهة إسلامية بإسقاط المصلحة الإسلامية العامة على مصلحتها الخاصة، وحين تقوم بإلباس خياراتها – حتى لو كانت فرعية – لبوس الدين ومصلحة العمل الإسلامي.. 

ولقد تحدث عن هذه الإشكالية د. عبد الله النفيسي في كتابه "الحركة الإسلامية.. ثغرات في الطريق"، داعياً إلى "فك الاشتباك بين الدين والتنظيم، فالتنظيم (أو العمل الإسلامي) جهد بشري محض معرّض للخطأ والصواب، بينما الدين الإسلامي منهج رباني تنزل من لدن كتاب الله".


الأكفأ خبرة.. لا الأورع
أخيراً، على الهيئات والمؤسسات الإسلامية أن تقدم للمجتمع الأكفأ خبرة من أفرادها، فهذا ما يهم الناس، وليس الأكثر ورعاً دون خبرة يستند إليها. وجميعنا يعرف تجربة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حين كان رئيساً لبلدية إسطنبول، فبرع في إدارة شؤونها، الأمر الذي دفع أبناءها من العلمانيين وغير المسلمين – إلى جانب المسلمين - لتجديد انتخابه، لأنه نهض ببلدهم اقتصادياً وإنمائياً وأثبت نجاحه، رغم عدم قناعتهم بانتمائه الفكري.

وأختم بسؤال أضعه بين يدي علمائنا الأجلاء:

ما هو الحدّ الفاصل بين المصلحة الإسلامية العامة وبين المصلحة الخاصة للجهة الإسلامية؟
وما دمنا نتحدث عن تحالفات انتخابية لا سياسية، أي لا يترتب عليه شيء، بل هو تحالف آنيّ ينتهي بانتهاء المعركة الانتخابية. فهل ثمة "فيتو" على أيّ جهة سياسية أو دينية يمكن بناء تحالف معها؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق