2/15/2020

رجال الدين.. والسياسة


استوقفنا هذا الأسبوع مشهدان لرجال الدين في لبنان، أحدثت مواقفهما تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي. بمعزل عن هوية انتمائهما الديني.
المشهد الأول حين تحدث المطران بولس عبد الساتر بجرأة لافتة أمام الرؤساء الثلاثة في عيد مارمارون، ووجّه لهم كلاماً قاسياً. وقد لقيت هذه الجرأة ثناءً واسعاً من المواطنين، وإشادة بموقفه.
المشهد الثاني جاء بعدها بأيام، في احتفالية ذكرى اغتيال الشهيد رفيق الحريري في بيت الوسط، حيث سمعنا تصريحاً لأحد رجال الدين، فيه من التملّق لزعيم حزب سياسيّ، يخجل أن يعبّر عنه مواطن عاديّ. كما شاهدنا رجال الدين يقفون للزعيم ويصفقون له. وكردّة فعل، ارتفعت الأصوات المندّدة، والمطالبة بتحييد رجال الدين عن السياسة.
وبين الإشادة بالأول واستنكار الثاني، وقعنا في حالة من الازدواجية والتناقض، فإن وافق موقف رجل الدين هوانا، أثنينا على جرأته.. وإن خالف كلامه قناعاتنا وموقفنا السياسي، أطلقنا حملة "أبعدوا رجال الدين عن السياسة" وأشعلنا مواقع التواصل مطالبين رجال الدين أن يلزموا معابدهم. وهذا واقع غير سليم.
لنؤكد ابتداءً أن موقع رجل الدين هو محط احترام وتقدير، وأنّ طرح أيّ ملاحظة إنما هو بهدف الحفاظ على مكانة هذا الموقع وتقدير الناس له.
ونقول: لقد تعلمنا منذ الصغر أن لا فصل في الشرع الإسلامي بين الدين والدنيا، فـ "الإسلام دين ودنيا، دعوة ودولة".
لكن الممارسة العشوائية لهذا المزج أدّت إلى الإساءة لصورة رجل الدين، وإلى تجرّؤ الناس على التجريح بالطبقة الدينية بمختلف تنوّعاتها. وهذا أمر غير مقبول.
لذلك نسأل: أليس الأصل برجل الدين أن يتصدى للتوعية والتربية والتوجيه، من خلال المنابر والمحاضن التربوية المسؤول عنها؟ أليس هذا هو ميدانه؟
أليس الأجدى برجل الدين أن يكون فوق السياسة وأحزابها، فيسعى السياسي لرضى المراجع الدينية.. لا العكس.
مجتمعنا اللبناني أحوج ما يكون للموجّهين المتخصصين في العلوم الدينية، وربما السياسية أيضاً، لعرض المعايير العامة للخير والشر، للصح والخطأ. ثم يتركون الناس هي التي تقرر كيف تتصرف بناءً على هذه المعايير، كل حسب على حالته.
فلماذا الانزلاق في زواريب السياسة، ولماذا منح شهادات التزكية لحزب هنا أو زعيم هناك؟ وكثير منهم فاسدون.
إننا نربأ بمواقعنا الدينية أن يجري استقدامها وتصديرها الصفوف، لإضفاء الشرعية الدينية على بعض الأحزاب أو الزعامات السياسية. كما نربأ برجل الدين أن يتزلّف لسياسيّ، ويقدّم شهادة حسن سلوك لأحزاب متهمة بخراب البلد..
دور رجال الدين في نشر التوعية وعرض القيم والمبادئ العامة وتوضيحها للجمهور، دون الدخول في تفاصيل هذا الحزب أو ذاك الزعيم.. سلباً أو إيجاباً. وإلا فسيأتي كل حزب بطبقة دينية تزكّي مساره..
وهذا لا يعني أننا ندعو إلى فصل الدين عن السياسة، بل ندعو إلى وقف تبعيّة الموقع الديني ورجل الدين لهذا الحزب أو زعيمه.. وندعو إلى تنزيه العمامة عما يسيء لصورتها.
وأخيراً، علينا أن نتحلى بالجرأة المطلوبة، لنرفض موقفاً من رجل دين يدعم توجهاتنا السياسية. فإما أن نقبل التدخل بالمطلق، أو نرفضه بالمطلق.
أيمن المصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق