بقلم: أيمن المصري
لطالما عانت ساحتنا الإسلامية في لبنان من ضعف في حرفة الإعلام، ومردّه إلى أسباب عديدة، منها: قلّة الإمكانات المادية، تطبيق في غير محله لمفهوم الإخلاص والتجرد، بالإضافة إلى ظروف سياسية وأمنيّة طارئة.. ما أدّى إلى هزال الحضور الإسلامي لدى الرأي العام.
وكثيراً ما واجهت الدوائر الإعلامية في الحركة الإسلامية شحّاً في المواد الإعلامية التوثيقية (صوت – صورة - فيديو) عند عودتها إلى الأرشيف للإعداد لإنتاجات وثائقية عن مراحل سابقة من تاريخ العمل الإسلامي، حيث كان كبارنا من الرعيلين الأول والثاني يتجنبون الظهور، ويزهدون في توثيق محطات مسيرة العمل الإسلامي في لبنان، "فالعمل خالص لله، ولا وقت للانشغال بالإعلام والظهور".
وبعد حالة الانفتاح التي عاشتها ساحتنا، والحرية التي تمتعت فيها.. ومع انطلاق الثورة الإلكترونية المتمثلة بشكل أساسي بمواقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك، تويتر)، انفتحت الساحة الإسلامية على هذه الوسائل التي باتت مكوّناً أساسياً في ثقافة المجتمع، بهدف توظيفها لخدمة الدعوة.. وهذا لا شكّ أمر طيب، بأن يحسن الدعاة والمؤسسات الإسلامية استثمار هذه المساحة التفاعلية، للتواصل مع الجمهور واستقطابه والترويج للأنشطة، فضلاً عن نشر الكلمة الطيبة، وتظهير الموقف الإسلامي من الأحداث.
فالشيخ الذي كان يعطي درساً في مسجد يحضره عشرون أو ثلاثون شخصاً، بات بإمكانه الآن أن يكتب فكرة قصيرة وينشرها على صفحته الشخصية، فيقرأها الآلاف.. وبعد أن كنا ننتظر صدور الصحيفة الأسبوعية لنطّلع على أنشطة ساحتنا الإسلامية، بتنا نواكب النشاط وقت انعقاده لحظة بلحظة، خبراً وصورة.
وفي غمار هذا الاستثمار الحسن لتلك الوسائل، وقع البعض في فخّ الإفراط باستخدام آلية التواصل هذه، لتنقلب من وسيلة إلى غاية.. حيث بات ذهن "هذا البعض" ينصرف باتجاه نشر الخبر أو الصورة على الصفحات الشخصية أكثر من الاهتمام بالحدث نفسه.
فبعد أن كنا سابقاً نهتم بالإعداد للنشاط، ويتوقف جهدنا عند انتهائه، زاهدين بالتغطية والتعميم الإعلامي، وهذا خطأ لا شك، بتنا نهتم أحياناً بالتغطية الإعلامية على حساب النشاط نفسه.. وهذا خطأ أكبر.
والمشكلة تكبر إذا كان الموقف تعبّدياً، الأصل فيه الانعتاق من الدنيا.. فإذا بنا نشاهد "الداعية" الحاجّ أو المعتمر يلتقط صورة له وهو يؤدي المناسك، وأخرى وهو يرفع يديه مبتهلاً إلى الله عند الكعبة المشرفة! ونشر مرة أحدهم على صفحته الخاصة نصّ الدعاء الذي دعا به الله عزّ وجلّ أمام الكعبة!
والأمر نفسه مع مؤسسات تربوية إسلامية، حيث يتحول قيام الليل والجلسة القرآنية، إلى "نشاط" يجري تصويره ثم تعميمه على الإعلام.
وأتابع بسرد بعض المواقف الواقعية للتدليل على المبالغة باهتمام بعض العاملين في الحقل الإسلامي في التعاطي مع وسائل التواصل الاجتماعي.. متحدثاً حصراً عن ساحتنا الإسلامية في لبنان، بشقّيها اللبناني والفلسطيني:
- مسؤول مركزيّ يطلب من مرافقه تصويره مع ضيفه الزائر، ثم يقوم بنشرها على صفحته الشخصية بشكل فوريّ، قبل أن يقوم الضيف من مجلسه!
- قياديّ كبير في حركة إسلامية خلال زيارة تاريخية لغزّة، ينشر على صفحته الخاصة على الفايسبوك حركة الوفد لحظة بلحظة: "وصلنا الآن إلى معبر كذا.. قطعنا المعبر.. استقبلنا الناس..."!
- عند دفن أحد علمائنا الكبار، وبعد أن قام الشيخ بإنزال الجثمان إلى القبر وتلحيده، طلب ممن فوقه أن لا يهيلوا التراب، ثم أخرج هاتفه الخليوي من جيبه، وقام بتصوير الراحل في قبره مكشوف الوجه!
- وفي صورة كنت أتمنى لو يتاح نشرها هنا، لقاء علمائي استثنائي لمعالجة مشكلة كبيرة في بلدة بقاعية، يظهر فيها حوالي عشرة مشايخ، أربعة منهم منشغلون بهواتفهم الخليوية.
وأختم بالقول، لقد قامت هذه الدعوة المباركة بإخلاص رجال نذروا حياتهم لها، تعرضوا للمحَن، وهجروا بيوتهم أياماً وشهوراً، وتركوا دفء المسكن مع الزوجة والأولاد، وسهروا الليالي.. يبذلون من أجل دعوتهم، دون أن يعرف بهم أحد. واليوم بات بعضنا لا يقوم بحركة، دعوية أو حركية أو سياحية، إلا ويحرص على نشرها على صفحته الشخصية.
نعم نحن نريد أن نتجاوز ثقافة "الدروشة والزهد" في إعلامنا الإسلامي.. والإعلام بات هو السلطة الأولى في حياتنا، هذا صحيح.. وعلى ساحتنا الإسلامية أن تتدارك التقصير فيه وتبذل جهدها لتطوير أدائها فيه..
لكننا، نريد أن نوظف الإعلام في خدمة دعوتنا، لا أن يأسرنا الإعلام.
وعلينا أخيراً أن نراعي خصوصية بعض اللحظات الاستثنائية، التي تفسد صفاءها الصورة.
الله يفتح عليك
ردحذف